تحليل رواية “جوستين: تعاسة الفضيلة” لماركيز دي ساد

You are currently viewing تحليل رواية “جوستين: تعاسة الفضيلة” لماركيز دي ساد
مراجعة رواية جوستين لماركيز دي ساد

رواية جوستين هي أحد روايات ماركيز دي ساد الذي ارتبط اسمه بالسادية، وفي الحقيقة فإن مجرد ذكر اسمه يتسبب للبعض بنوع من النفور. حيث هناك من يعتقد أنه مؤلف مستهجن لا تستحق أمراضه وأدبه أن يؤخذ في الاعتبار بسبب محتواه المليء بالانحرافات الجنسية والمعاناة. وهذه الرواية ليست مستثناه من المؤامرة المرضية المميزة التي تصاحب كتاباته. فهو يلتقط الفضيلة كمكافىء للغباء، وأن الشر سوف ينتصر دائماً على الفضيلة. ومع ذلك ، ينهي الماركيز دو ساد القصة برسالة أمل تختلف عن تلك التي تم التعبير عنها في الحبكة بأكملها. في السطور التالية نستعرض ملخص رواية جوستين ومن ثم تحليلها.

ملخص رواية جوستين

تدور أحداث الرواية حول أختين جوستين وجولييت ولدا في كنف عائلة فرنسية ميسورة اقتصادياً واجتماعياً، ولكن فجأة بدأت الأعمال التجارية لوالدهما تتدهور لتعاني العائلة من الفقر، ونتيجة لهذه المأسأة تُوفي والدهما وتبعته والدتهما. ومن هنا تبدأ قصة الفتاتين.

كانت جولييت وجوستين تبلغان من العمر 14 و 12 عاماً على التوالي عندما تيتمن، ولم يقدم لهن أحد من أقاربهما أو أصدقاء العائلة أي مساعدة.  وفجأة وجدا أنفسهن بلا مأوى، لتقرر كل فتاة المسار الذي ستسلكه لبقية حياتها.

كانت جولييت فتاة لعوب تفضل الحياة السهلة، وتريد أن تجرب جميع متع الحياة، وتعتقد أن الفضيلة مجرد وهم. أما جوستين فعلى العكس منها حيث تعتقد أن الفضيلة هي أهم ما تمتلكه، لذا ستحاول الحفاظ عليها طوال حياتها على الرغم من المصاعب التي ستتعرض لها.

الفضيلة والرذيلة

انفصلت الأختان، لتذهب إحداهن إلى بيت من بيوت الهوى، وهناك تستقبلها صاحبة المكان وبعد بضعة أشهر ستصبح العاهرة المفضلة لجميع رجال المجتمع الراقي، وهكذا ستتمكن من الحصول على ثروة عظيمة. أما جوستين التي اختارت طريق الفضيلة فتبحث عن دار ضيافة لتقطنها وعمل لتعتاش منه. تقنعها صاحبة دار الضيافة أن تتخلى عن الفضيلة التي تتمسك بها، وتطلب منها أن تذهب إلى قصر أحد الأرستقراطيين لتلبي له متطلبات، ولسوف تحصل على ثروة كبيرة، إلا أنها تفضل ألا تفعل.

عملت جوستين لدى تاجر شديد الثراء لكنه بخيل، لتعتني بمنزله وزوجته. وفي إحدى المرات يطلب منها التاجر أن تسرق صندوق يحتوي على ذهب يمتلكه تاجر الذهب القاطن في نفس المنزل. لكنها ترفض فيتهمها بالسرقة وتودع في السجن.

السجن

داخل السجن تتعرف على سيدة تدعى دوبوا وهي رئيسة لإحدى العصابات، تتوطدت بينهن علاقة صداقة، مما يجعل دوبوا تأخذها مع بعد تفجير أفراد العصابة للسجن وتهريبهن. وفي إحدى مخابيء العصابة في الغابة حاول أفراد العصابة اغتصابها، لكنها دافعت عن عذريتها. لذا قاموا بضربها بشكل مروع حتى كادت أن تموت. وفي ليلة من الليالي سمع أفراد العصابة صوت عربة قادمة فخرجوا ليستولوا عليها. كان صاحبها رجل ثري بعد أن حصلوا على ماله أرادوا قتله لكن جوستين أخبرتهم أنه قريبها وترجتهم أن يتركوه وشأنه.

أخذوا الرجل أسيراً، وفي الليل وبعد حفلة سكر نام أفراد العصابة. ذهبت جوستين إلى الرجل الثري وفكت عنه قيوده ثم أعادت له ماله وهربا سوياً. لكن الرجل الثري بعد أن اجتاز مع جوستين الغابة ووصلا إلى مكان ناء بعيد عن أعين البشر ليقوم بضربها لتسقط مغشياً عليها. وعندما تستيقظ تدرك أن الرجل قد اغتصبها.

شعرت جوستين بالألم لأنها فقدت عذريتها، لكنها أدركت أن ذلك لم يكن خطأها. وبينما كانت تستريح في الأدغال، رأت رجلين من الشواذ يمارسان علاقة جنسية، أحدهما هو الكونت بريساك وخادمه. وعندما شعرا بوجودها هما بضربها وتعذيبها. ليخبرها الكونت بعد ذلك أنه سيجعلها تعمل لدى عمته الثرية. وهناك ظلت تعمل قرابة الخمس سنوات. لكن في وقت ما يتفق معها الكونت أن تضع لعمته سماً لتموت ويرث منها ثروة عظيمة، إلا أنها ترفض بل وتخبر عمته. مما يجعله يقتل العمة ويسمح لكلابه الجائعة بافتراس جوستين. ليتركها في الغابة شبه ميتة.

تجارب مجنونة

عندما تستعيد وعيها تتجه نحو بلدة صغيرة حيث يساعدها طبيب في مداواة جروحها، وبعد أن علم قصتها يطلب منها العمل لديه في المنزل. لتكتشف أن الطبيب كان يدير مدرسة للأطفال ليخفي من خلالها أعماله المجنونة. حيث كان يقوم بالتجارب على أجساد الأطفال ومن بينهم ابنته. تحاول جوستين أن تنقذ الابنة من براثن أبيها إلا أن الطبيب يكتشف الأمر فيعاقبها. لكنها في النهاية تتمكن من الهروب من المنزل إلى البرية.

بعد سيرها طويلاً ترى على البعد دير فتدرك أن رؤيتها لهذا الدير إشارة ربانية لتذهب إلى هناك وتكتشف أن به أربعة كهنة يديرونه، ولكن تحت الدير تكمن العديد من الأدوار المبنية تحت الأرض، والتي يمارس فيها هؤلاء الكنهة أبشع الممارسات الجنسية مع العذراى. وبعد الانتهاء من إحداهن يتم إلقاءها في البئر. استطاعت جوستين الهروب بعد معاناتها مع الكهنة الهروب من الدير.

معاناة لا تنته

كانت حرة لبضع ساعات فقط عندما قام رجلان بأخذ أسيرة إلى كونت جيرناندي. كان هذا الشخص أكثر الأشخاص سادية، حيث يجعل ضحاياه ينزفون حتى الموت، وهو الأمر الذي كان يثيره. كان يريد منها أن تخدم زوجته الجميلة التي يجعلها تنزف ثلاثة أيام في الأسبوع ويتركها لتتعافى مرة أخرى ثم يعاود فعلته. ذات يوم خططت مع زوجة الكونت للهروب، لكنه يكتشف الأمر فيحبسها في سجن محكم. وخلال إحدى زياراته لسجنه يخبره أحد خدامه أن زوجته ماتت، ليترك باب السجن على عجل مفتوحاً لتهرب جوستين.

ترى جوستين بعض الرجال يضربون آخر بوحشية، تذهب لمساعدته وعندما تعافى، أقنعها بالذهاب إلى قلعته للعمل تحت أمرة أخته، وهي سيدة ستعاملها جيداً، ولكن عند وصولها في القلعة، أدركت أن كل ما قاله لها كان كذبة، فقلعته كانت مكاناً يتم فيه تزوير الأمور، وينبغي عليها أن تساعده في هذا الأمر. كان رولاندو أسوأ شخص من الممكن مقابلته في الحياة، فلديه ميول سادية غريبة، حيث كان يتلذذ بشنق النساء ورؤيتهم يعانين. لكن لم يمض وقت طويل حتى اكتشفت الشرطة القلعة واعتقلت الجميع بتهمة التزوير.

نهاية رواية جوستين

أودعت جوستين في السجن مرة أخرى، وساعدتها دوبوا على الخروج لكن ليس هناك شيء مجاني. فلقد أرادت من جوستين أن تتعرف على شاب ثري معجب بها، لتقوم هي بسرقة ثروته. لكنها اعترفت للرجل بالمؤامرة إلا أن دوبوا كانت تعلم بذلك فقامت بقتله وألقت اللوم عليها. بل وتسبب ذلك بعودتها إلى السجن مجدداً.

خلال وجودها في عربة الترحيلات توقفت العربة للإصلاحات، وانطلق جميع النزلاء إلى إحدى الحانات، وهناك رأت أختها تدخل الحانة مع أحد الأثرياء. حاولت أختها إطلاح سراحها بمساعدة الثري، وكانت تحت رعاية أختها التي دللتها وساعدتها في كل شيء، لكن حظ جوستين السيئ لم ينته، لأنه بعد فترة وجيزة من الاستمتاع بسعادة حقيقية مع أختها في يوم عاصف، حاولت جوستين إغلاق نافذة القصر لتضربها صاعقة برق فتموت على إثرها. وفي النهاية تندم جولييت على كل ما فعلته وتحاول التكفير عن ذنبها.

اقرأ أيضًا: روايات عالمية مشهورة من جميع أنحاء العالم لا ينبغي تفويتها

عن ماركيز دي ساد

ملخص رواية جوستين
ماركيز دي ساد

لا يمكنك فهم رواية جوستين دون فهم القليل عن حياة ماركيز دي ساد، الفيلسوف والكاتب المتحرّر الذي قضى فترات طويلة في السجن. فلقد كتب معظم رواياته في السجن، وفي أغلب الأحيان تكون أبطال رواياته من الشخصيات التي تتميز بالقسوة الشديدة والعنف والرغبات الجنسية السادية. أما الشيء الواضح في معظم أعماله هو الكراهية العميقة للجنس البشري، وانحرافه الجنسي وإلحاده القوي.

لم تكن أعماله نابعة عن خياله المريض فحسب، بل كانت جزءً مما عاشه في حياته. حيث كان عرضة للكثير من الفضائح في عصره. فيقال إنه خدع ذات مرة امرأة تدعى  روز كيلر وحبسها في شقته وحاول اغتصابها بوحشية وجلدها قبل أن يتركها تذهب. كما تزوج امرأة لم يكن يحبها وخانها مراراً وتكراراً مع البغايا والعشاق من جميع الأنواع. بل والأدهى من ذلك أنه هرب مع شقيقتها. بينما استمر يدخل ويخرج من السجون والمصحات النفسية لأكثر من ثلاثين عاماً. كما عانى من الاضطهاد من قبل الملك وجميع أقاربه وكذلك الكنيسة. حتى إنه منع من دخول باريس لفترة من الوقت. لكن عندما عاد تم سجنه في قلعة فينسين.

وعلى الرغم من حقيقة أنه لم يحب زوجته التي أهملها وتركها، فقد حاولت بكل الوسائل إخراجه من الحبس عندما اتهم بالفجور أو اللواط. وبعد إغلاق سجن فينسين، أرسلوه إلى سجن الباستيل، حيث تم سجنه هناك إلى أن نقل إلى إحدى المصحات، ومن هناك تم إطلاق سراحه. ومع ذلك، فعندما نشرت رواية “جوستين: تعاسة الفضيلة” التي قرأنا مخلصها من قبل، أدت إلى وقعها في العديد من المشكلات التي أودت به إلى الحبس من جديد، لينتهي به الأمر إلى الموت محبوساً مرة أخرى في مصحة تشارنتون.

اقرأ أيضًا: تحليل رواية مائة عام من العزلة: تحفة ماركيز الخالدة

مراجعة رواية جوستين

تتمحور هذه الرواية حول مبدأ واضح لفلسفة ماركيز دي ساد ويمكن تبسيطه على النحو التالي: “إذا كان العالم قائماً على التوازن، وبالتالي يجب أن يكون هناك خير وشر في أجزاء متساوية، فلماذا تختار أن تكون جيداً؟ فلا يكافأ الطيبون على كونهم صالحين، لكن على العكس من ذلك يعانون أشد المعاناة. لذلك فمن الأفضل أن تكون شريراً وتستمتع من أجل المتعة، لأن الآخرين لن يضحوا بمتعتهم من أجل فضيلتك”.

بهذه العبارة يمكننا تخليص الفكرة الرئيسة للرواية، ومثل جميع روايات ماركيز دي ساد، تشتمل جوستين على أمرين واضحين للغاية: الأول هو العنف والسادية اللذان عانتا منهما جوستين. والثاني هو طريقة تفكير الأشرار الذين يستمتعون بممارسة الوحشية والسادة، ومن ثم يحاولون إقناع أنفسهم ببعض الحجج الفلسفية التي تبدو في ظاهرها معقولة، لكن بداخها العديد من المغالطات المنطقية.

الحجة المركزية

أعتقد أن الأمر مع رواية جوستين يعتمد على وجهة النظر التي يُقرأ منها الكتاب. فجوستين شابة قررت البقاء على طريق الفضيلة وعدم الابتعاد عنها تحت أي ظرف من الظروف. لكن من المؤسف أن هذا المصير لديه شيء مختلف تماماً يخبئه لها. فمنذ البداية عليها أن تواجه مواقف رهيبة من المضايقات والإذلال والالتزامات التي تحاول أن تبعدها عن هذا الطريق. إنها تمر بأماكن مختلفة في محاولة للعثور على شيء جيد ومستقيم ولكن يصادفها دائماً العكس. بشكل أو بآخر، هذه هي الحجة المركزية. ولكن…

الثورة الفرنسية

عند التفكير في هذه رواية جوستين ومؤلفها، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن عادة هو فكرة القصص ذات الطبيعة الجنسية التي يعانى منها أو يرتكبها أبطالها من الانحرافات الجنسية. لكن ما رأيته أثناء إعداد هذه المراجعة شيء مختلف. ففي مجتمع مثل مجتمع فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر، نجد أن هذه الرواية تعد بمثابة نقد عميق لأسلوب الحياة قبل وبعد الثورة الفرنسية. حيث تحاول شابة اتباع مسار آخر، وتقدم نفسها على أنها غريبة في البيئة التي تجد نفسها فيها. فتذهب إلى أماكن مختلفة بحثاً عن الراحة والخير، وحيث من المفترض أن تجدهم، لا يحدث ذلك، فلا النبلاء ولا الرهبان ولا الشرطة لديهم فضائل في ذلك العصر.

الفلسفة في رواية جوستين

في رواية جوستين يمكن رؤية تأثير فولتير وحكاياته الفلسفية بوضوح (على وجه التحديد تذكرنا بكانديد). ويبدو أن المغامرات المروية هي ذريعة لعرض الأفكار الفلسفية المختلفة. ففي الرواية يستخدم ماركيز دي ساد بطل الرواية ليرمز إلى الفضيلة والتعبير عن أطروحته المتشائمة التي بموجبها تسحق الفضيلة بشكل منهجي بواسطة الرذيلة. بينما نجد الرذيلة الخالية من القيم والمبادئ تستفيد وتزدهر. وانطلاقاً من هذه الأطروحة، يقلق ساد بشأن أولئك الذين يفتقرون إلى التكوين الأخلاقي الراسخ، وقد يصلون إلى استنتاج مفاده أنه من الأفضل والأكثر فائدة ممارسة الرذيلة وليس الفضيلة.

الحبكة نفسها والأفكار المعبر عنها في الرواية جذرية للغاية في وقتها، مع انتقاد قوي للتنظيم الاجتماعي والدين. وقد أدت ضراوة انتقاده للنظام القائم والإشارات المحتملة إلى الشخصيات المؤثرة في ذلك الوقت إلى سجن ساد مدى الحياة في مصحة تشارنتون.

كتبت سيمون دي بوفوار على نطاق واسع عن شخصية ماركيز دي ساد وأفكاره حول المتعة دون تشويه صورته، لأنها على الرغم تشكيكها في حقيقة أن أبطال أعمال ماركيز كانت تمارس على ضحايا العنف الاستبدادي الذي يمارسه النرجسيون الأنانيون، اعتبرت أن عمل وحياة الماركيز يشكلان مثالاً على الشجاعة وإثباتاً لكيفية وضع البشر للمصالح الشخصية على المصالح الجماعية، على الرغم من العواقب.

اقرأ أيضًا: الثقافة الجنسية في الإسلام: هل الحديث عن الجنس عيب أم حرام؟

اقتباسات من رواية جوستين

  • هل هناك حقيقة واحدة لا تحمل سمت البهتان والأكاذيب.
  • كل فضيلة ولدت من مبدأ فاسد.
  • هذا المخلوق المختال – الإنسان – يظن نفسه أسمى ما في الأرض.
  • إن العواطف بضع وسائل تستغلها الطبيعة لإنجاز مخططها.
  • في مجتمع فاسد لا تُجدي الفضيلة نفعاً.
  • هناك دائماً لذة مكينة بفعل الممنوع.
  • هل يُفضل أن نُهذي مع الحمقى عن أن نفكر في تروي مع العاقلين.
  • إن سلطة الأب على أطفاله هي السلطة الوحيدة الحقيقية، وأس السلطات الأخرى إجمالاً.
  • حيث توجد الإرادة نعرف الطريق.
  • أكثر سخف بالعالم أن يجاهد المرء أهواءه.
  • لو أُدين أي شخص بهذا العذاب لعرف أي سكر سيجلبه عليه الموت.

اترك تعليقاً