نظرة شاملة على العلاقة الصحية بين الزوجين

You are currently viewing نظرة شاملة على العلاقة الصحية بين الزوجين
كيف تكون العلاقة الزوجية الصحية

إذا سألت أي شخص: ما هو أهم شيء في العلاقة الصحية بين الزوجين؟ سيجيب على الفور: التواصل. ولكن هل تعرف أن المطلقين هم الذين جعلوا من التواصل الشيء الأكثر أهمية! وهذا لا يعني أنهم مخطئون، فمن يتزوج يهدف للبقاء متزوجاً وليس مطلقاً. وإذا نظرنا إلى العديد من الدراسات[1] التي تتمحور حول التنبؤ بحالات الخيانة الزوجية المستقبلية بين الأزواج نجد أنها تشير إلى أن قلة التواصل في العلاقة من أهم أسباب الخيانة الزوجية. لذا فالافتقار إلى التواصل الجيد بين الزوجين يشير إلى وجود مشكلة أعمق في العلاقة.
لكن هناك حقيقة أكثر إثارة للاهتمام يخبرنا بها أولئك الذين تزوجوا منذ 10 أو 20 أو 30 عاماً. فلم يكن التواصل العامل الأكثر أهمية بل هناك عامل آخر هو ما جعلهم يبقون معاً لفترة طويلة. فماذا تعتقد أن يكون؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال نحتاج أولاً إلى سياق لفهمه، فالسياق هو ما سيساعدنا على فهم حكمة هؤلاء الأشخاص الذين لديهم عقود من العلاقات الصحية وراء ظهورهم. دعونا نخوض معاً هذه الرحلة.

ما هي العلاقة الصحية بين الزوجين؟

تُعرف العلاقة الصحية على أنها العلاقة المبنية على الاحترام والصدق والثقة والتواصل المفتوح. إنها وضع لا يوجد فيه اختلال في التوازن بين الزوجين. حيث يحترم الزوجان قيم واستقلالية كل منهما، وكذلك آراء ومشاعر الآخر دون خوف من الحكم أو الرفض. هذا هو تعريف العلاقة الصحية بين الزوجين بشكل عام.

عندما نتعرض لمشكلة من مشكلات الزواج نحاول أن نستمع إلى وجهات نظر الآخرين، ونصائحهم بشأن العلاقات. لكن سرعان ما يصيبنا التردد والحيرة، لأننا إذا توقفنا للحظات وفكرنا في الأمر، فمن الناحية النظرية لا يمكن لأحد أن يعتبر نفسه حكماً له سلطة فيما يتعلق بالأزواج. بمعنى إذا كان هذا الشخص أعزباً، ربما تكون لديه القدرة على رؤية المشكلة بشكل أوضح من الخارج، ولكنه في النهاية لم يجرب وجوده في علاقة زواج. وإذا كان هذا الشخص متزوجاً منذ أكثر من 20 عاماً، فلا يعني هذا أنه سيموت متزوجاً، ونرجو بالطبع ألا يكون هناك طلاق قريب وأن يكون سعيداً في زواجه. ناهيك عن أن الكثير مما يطلق عليه “علم” العلاقات لا يزال مجرد استطلاعات أو ملاحظات، ولا يمكن دراستها سريرياً. لكن هل يعني هذا أنه يمكننا التخلص من تجارب آلاف الأشخاص لأنها لم تتم في المختبر؟ بالطبع لا.

إذا كانت هناك سمات معينة للعلاقة الصحية يمكننا رؤيتها باستمرار في علاقات الزواج الناجحة فمن المنطقي تماماً أن نحاول تقليدها في علاقاتنا. دعونا نرى ما هي سمات العلاقة الزوجية الصحية؟


الحب الواعي غير المشروط

علامات العلاقة الصحية الناجحة
الحب الواعي من أهم سمات العلاقة الصحية

كل شخص له شخصيته وأفكاره وآراءه المستقلة. ويجب أن يكون كذلك في العلاقة الزوجية، فالعلاقة الزوجية لا تمنع استقلاله. بمعنى أبسط أن تكون سعيداً، وأن تكون بصحة جيدة، هو قرارك أنت وحدك، لا يحمل الزوج أو الزوجة مسؤولية جعلك سعيداً أو بصحة جيدة، لأن عند هذه النقطة سيشعر كل منهما بأن ثقل الحياة كلها تقع على عواتقهما. هذا ما يسمى بالحب الواعي، فلا يتعلق الأمر بالبحث عن نصفك الآخر، بل بكونك أشبه ببرتقالة كاملة تريد أن تصنع سلة من البرتقال مع برتقالة كاملة أخرى. أنت لن تذهب إلى بائع الفاكهة وتطلب منه كيس من أنصاف البرتقال، أليس كذلك؟!

هناك دراسة[2] استعرضت 15 عاماً من البيانات واشتملت على 24 ألف شخص لتحاول الإجابة على سؤال ما إذا كان المتزوجون أكثر سعادة من العزّاب. وتوصلت إلى أن الأشخاص الذين كانوا أكثر رضاءً عن حياتهم قبل الزواج هم الأكثر رضاءً عن حياتهم بعد الزواج. أي أن الذين كانوا يشعرون بالسعادة من قبل زواجهم خلقوا زيجات سعيدة. إذن ليس الزواج هو ما جعلهم سعداء، لكن الزواج جعلهم أكثر سعادة.. إذا كانوا كذلك بالفعل. فكر في الأمر للحظة.

اقرأ أيضًا: مشكلات الحياة اليومية النفسية والاجتماعية وحلولها

التضحيات في العلاقة الزوجية

يتحدث الجميع عن التضحيات في العلاقة الزوجية. حيث يضحي شخص بنفسه باستمرار للحفاظ على هذه العلاقة حية من خلال فعل ما يريده أو يحتاجه شريكه. ويعني هذا أن تكون سعادتك متوقفة على سعادة الشخص الآخر، مما يجعل الجميع في حالة من التضحية المستمرة. ألا يبدو هذا وكأنه طقوساً شيطانية!

أدت هذه التضحيات في النهاية مزيد من الخلافات الزوجية المتكررة ومن ثم دمرت الكثير من العلاقات، نظراً لأن هناك دوماً في كل علاقة من يعطي فقط، ومن يأخذ فقط. ليس هناك توازن في الأمر. ومن هنا تثقل الحياة كاهل المضحي، ويرغب في العودة إلى ما كان عليه قبل الزواج. انظر حولك، ستجد الكثير من العلاقات الزوجية مبنية على ذلك الحب المشروط، وليس الحب الواعي، وإذا كان الأمر كذلك فإن النتيجة هي تراكم الاستياء. ومن هنا يصبح كل طرف من أطراف العلاقة بمثابة الخاطف العاطفي لشريكه.

إن كون كل من طرفي العلاقة برتقالة كاملة، يعني أن كل واحد منهما لديه:

  • هويته الخاصة.
  • مصالحه الخاصة.
  • وجهات نظره الخاصة.
  • أهدافه الخاصة.

وهذا لا يعني بالضرورة عدم وجود أوجه التآزر معاً مثل بعض المصالح المشتركة أو الأهداف أو الرؤى المستقبلية المشتركة. فإذا كان هناك وجود لمثل هذه العوامل المشتركة سيكون الأمر مثالياً بكل تأكيد. لكن الكثير من الأزواج يضيعون في علاقاتهم، وينسون هويتهم، وما يحركهم هو أنهم يعتبرون أنفسهم أزواج وليسوا أشخاص.

اقرأ أيضًا: تعزيز الثقة بالنفس: من أين تبدأ؟

فخ العلاقات السامة

ليس من المنطقي أن نحاول تغيير شريك حياتنا أو يحاول هو تغييرنا. فنحن نختار بعضنا البعض لسبب ما. ولهذا السبب تصبح قيمة الاحترام أكثر أهمية مما نعتقد، لأن أسس هذه القيمة هو احترام هوية كل واحد، واستقلاليته والرغبة في أن نكون ما نريده، ويكون شريكنا كما يريد. وهذا يعني امتلاك الشجاعة اللازمة ليصبح كل واحد منا هو نفسه. وستجد أنك ترغب في وجودك مع هذا الشخص بالذات لأسباب صحيحة، وإلا فمن السهل الوقوع في فخ العلاقة السامة التي تستند على ما يلي:

  • أنت تستمر في العلاقة لأنك لا تستطيع تحمل فكرة أن تكون وحيداً.
  • أنتما معاً لشعوركما أنكما جيدون معاً.. على الورق أو في الصور.
  • تعتقدان أن العلاقة يجب أن تكون مبنية على الحب فقط.
  • الرغبة في أن تكون مع هذا الشخص لإصلاح نفسك.

كل هذه الأمور تخلق في النهاية فكرة الاعتماد المتبادل. ومما لا شك فيه أن كل علاقة ناجحة تتطلب درجة معينة من الاعتماد المتبادل، لكن أن تستند العلاقة بأكملها على هذه الأفكار تؤدي بنا إلى علاقة سامة غير صحية. يمكننا أن نفكر في الحب كشيء محايد، ليس جيد ولا سيء. ونحاول الإجابة على سؤال: لماذا نرغب في وجودنا بجانب هذا الشخص وليس غيره؟ إن الحب لن يكون كافياً أبداً لاستمرار العلاقة. لماذا نقول ذلك؟ دعونا نرى.

اقرأ أيضًا: الوصايا العشر لتعزيز الصحة النفسية

أسطورة الحب الرومانسي

الحب الرومانسي الحقيقي
ما هو الحب الحقيقي

اعتقد أطباء العصور الوسطى أن جسم الإنسان يحتوي على الدم والبلغم والصفراء والسوداء، وتتوقف صحته على توازن هذه الأخلاط، ويحدث الألم إذا كان هناك نقصاً أو زيادة في أحدها. وأشاروا إلى أن الشعور بالحب وداء الحب سببه زيادة إنتاج الجسم للصفراء والسوداء. وذلك الشعور بالكآبة والمشاعر الأخرى التي نشعر بها عندما نقع في الحب ترجع إلى خلل في توازن الجسم. لذا أعطوا الناس المسهلات وسكبوا عليهم الدماء ليخرجوا كل هذه الكآبة من أجسادهم[3].

ربما نضحك على مثل هذه الأفكار في عصرنا الحالي بعد التقدم العلمي الكبير الحاصل. لكن المثير للدهشة أن علم النفس وعلم الأعصاب يؤكدان حالياً أن الحب ينتج أعراضاً جسدية وعقلية حقيقية في الجسم. وعندما نشعر بأن قلوبنا مكسورة يستجيب دماغنا بطريقة مشابهة لما يفعله مع مدمني المخدرات الذين يعانون من أعراض الانسحاب. ولهذا السبب كان الآباء في هذه العصور السحيقة يحذرون أطفالهم من الوقوع في الحب[4].

إن الحب الجامح الذي يجعلنا نتصرف مسترشدين بمزيج من الهرمونات التي منحتنا إياها الطبيعة، يجعلنا نفعل كل تلك الأشياء غير العقلانية حتى نحاول بكل طاقتنا تحقيق الهدف الوحيد الذي جاء الإنسان من أجله على الأرض: الإنجاب. فإذا كان لدى أي إنسان أو حيوان من عصور ما قبل التاريخ القدرة والوقت للتفكير بشكل منطقي حول تداعيات إنجاب الأطفال، أو البقاء مع نفس الشخص إلى الأبد فلن يفعل ذلك سوى القليل فقط. ومن الممكن أن يكون الحب الأعمى الذي لا يمكن إيقافه هو فخ بيولوجي من الطبيعة لجعل شخصين يتجاهلان أي عيوب في بعضهما البعض، على الأقل لفترة كافية حتى يخرج الطفل كمنتج ثانوي للعلاقة.

اقرأ أيضًا: كيفية تحقيق التسامح مع النفس؟

إلى متى يدوم الحب؟

ولهذا السبب يُعتقد أن الحب يستمر في المتوسط لمدة ثلاث سنوات. وهي الفترة التي نشعر فيها بهذا الكوكتيل الهرموني الذي نسميه الحب والتي تكون كافية فقط لإغواء الشريك وإنجاب طفل والعناية به معاً في السنوات الأولى الأكثر ضعفاً من حياته. وهذا هو الحب الذي ضخمته لنا الأعمال الفنية والأدبية الرومانسية،

وهذا هو نوع الحب الذي يختفي بعد بضع سنوات، لكن قبل أن يحدث ذلك عليك أن تدرك بأنك قيدت إنساناً آخر في دائرتك مدى الحياة، فقط لأنك شعرت معه بانفجار هذه الهرمونات. لذا من الأفضل أن يكون شخصاً نحترمه حقاً، ونستمتع بالتواجد معه، ويمكننا أن نبني معه شيئاً ما. إذن العلاقة الصحية عبارة عن زوجين يريدان أن يظلا معاً لنهاية العالم. بخلاف ذلك، استعد لتكون جزءً من إحصائية حالات الطلاق، أو على الأرجح عيش حياة أقل ما يُقال عنها أنها غير صحية.

إن الحب الحقيقي عميق ودائم وغير قابل للتأثر بالأهواء العاطفية والتخيلات التي حفرتها أفلام هوليوود في رؤوسنا. وهو التزام دائم تجاه الشخص مهما كانت الظروف، والثقة المتبادلة بين طرفي العلاقة. هذا النوع من الحب أصعب بكثير لأنه أقل بريقاً من ذلك الحب الزائف المبهرج. إنه نوع من الحب الذي يمكنك من التعامل مع مخاوف الآخر وجميع حالاته، وهو مثل الاستثمار طويل الأجل الذي يؤدي إلى سعادة أكثر استقراراً ودواماً. نوع من الحب الذي لا يجعلك تفكر دائماً “أفضل أن أكون وحدي”. يتوقع الكثير من الأزواج أن يشعروا دائماً بنفس الشعور الذي شعروا به خلال السنوات الأولى من علاقتهم، ولكن هل هذا واقعي؟!

اقرأ أيضًا: أفضل طرق التعامل مع الخلافات العائلية

القيم الشخصية

يجب أن نعلم جيداً أنه على الرغم من كوننا أشخاصاً مختلفين، وبرغم حقيقة أن الرومانسية تختفي في مرحلة ما، إلا أنه يجب أن تكون هناك قواعد ثابتة بين الطرفين حتى تظل العلاقة صحية. تعتمد أي علاقة صحية بين زوجين على القيم، فالقيم هي التي تدعم اتخاذ القرارات والاتجاهات المستقبلية التي يمكن أن تسير فيها العلاقة.

أثبتت بعض الدراسات العلمية[5] صحة النظرية التي تقول إن العلاقة الصحية هي التي تستند على قيم السمو الذاتي، ومن المثير للدهشة أن الأزواج الذين ظلوا معاً لعقود استمروا في ترديد ما قالته الفيلسوفة الروسية آين راند: 

“الحب هو استجابتنا لأعلى قيمنا، ولا يمكن أن يكون شيء آخر”

لذا يجب أن تتماشي قيمنا الشخصية الذاتية مع القيم الزوجية، فهي تؤثر بشكل أساسي على جودة علاقاتنا. وتعتبر القيم الشخصية المتوافقة بين الطرفين من المتغيرات المهمة جداً بحيث إذا توافرت يمكننا أن نقول عن العلاقة أنها ناجحة وصحية. بالطبع القول سهل، لأن الكلمات سهلة ورخيصة.

القيمة الأكثر أهمية

في البداية يجب علينا أن نعرف أن القرارات والإجراءات التي نتخذها يجب أن تسير في نفس الاتجاه مع ما نؤمن به، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الزوجي بين الزوجين. بمعنى أننا من الممكن أن نكون على دراية بقيمنا الشخصية جيداً، لكن طريقة التصرف وفقها هي التي ستظهر ما إذا كان كل طرف يقدر هذه القيم فعلاً أم لا. فلا يمكنك القول أن القيمة المشتركة الأكثر أهمية لديك هي الاحترام إذا لم تكن مخلصاً أو صادقاً أو شفافاً. فالقيم هي الأساس، وتأتي قبل المصالح والأهداف وحتى الرؤية المستقبلية.

تساعدنا القيم الشخصية على أن نكون أكثر سعادة، فقط إذا سرنا بمقتضاها. ولا يمكننا بكل تأكيد أن نشعر بالسعادة كل يوم، إلا أننا نعرف أن السعادة هي نتيجة ثانوية لأسلوب حياتنا. انظر إلى الدور الذي تلعبه القيم في هذا السيناريو، تقول الفيلسوفة الروسية:

“السعادة هي حالة من الفرح غير المتناقض. فرحة بلا ألم أو ذنب، فرحة لا تتعارض مع قيمنا”.

عندما تتذكر الأيام التي شعرت فيها بالسعادة، ستعرف أنها حدثت لأن جميع ركائز قيمك متوافقة. فإذا كان تطورك الشخصي هو أحد قيمك الأساسية في الحياة، فهل يمكن أن تكون سعيداً إذا شعرت أنك تقف في مكانك ولا تتطور؟ وإذا كان الاحترام هو قيمتك الشخصية الأهم، فهل يمكن أن تكون سعيداً إذا شعرت أنك لا تحترم شخصاً ما أو أنه لا يحترمك؟

اقرأ أيضًا: 10 مفاتيح للتغلب على الظروف الصعبة في الحياة

الاحترام الحقيقي لشريك حياتك

العلاقة الزوجية الصحية
الاحترام هو القيمة الأهم في العلاقات الزوجية

سأجرؤ على القول إنه من بين جميع القيم، فإن القيمة التي أرى أنها بحاجة إلى التوافق أكثر من غيرها هي تلك القيمة التي قدمتها كمثال العديد من المرات في هذا المقال. وبينما يقول المطلقون أنهم كان بإمكانهم إنقاذ زواجهم من خلال التواصل الجيد، يقول المتزوجون إن أهم شيء في العلاقة وما أبقاهم معاً لعقود عديدة هو الاحترام المتبادل. لكن ماذا يعني الاحترام بالضبط؟

يعني الاحترام مراعاة مشاعر الشريك واحتياجاته وحدوده، وقيمه، ومعاملته بكرامة ولطف. تشير العديد من الدراسات[6] إلى أن الاحترام هو القيمة الأساسية لكل شيء يتعلق بالعلاقات، سواء كانت علاقة زوجية أو علاقة أسرية أو علاقة عمل أو صداقة. فكر في الأمر لحظة. ستجد أن هذه القيمة أساسية لأنها تخرج منها جميع القيم الأخرى ذات الأهمية القصوى لعلاقة صحية. حيث يعني الاحترام أن تكون منفتحاً وصادقاً وتستمتع باهتمام لوجهة نظر الآخر. فهل يمكنك أن تستمتع لشخص لا تحترمه أو تراعي مشاعره؟!

تنبثق من هذه القيمة ثلاث ركائز أساسية للحفاظ على علاقة صحية:

  • الاعتراف: لأن الاحترام يعني الاعتراف بمشاعرك وآرائك وما تعتقد به لشريك حياتك بصدق، وكذلك الاعتراف بأن ما يعتقد به الآخر يستحق النظر.
  • المساواة: يعني الاحترام دعم الآخر، والتأكد من أنه لا أحد لديه قيمة أكثر من الآخر، وبالتالي يمكن اتخاذ جميع القرارات والمسؤوليات بالمشاركة.
  • الحدود: احترام الآخر يعني فهم واحترام المساحة الشخصية لكل شخص واستقلاليته، وبالتالي لن يكن هناك اتكالية في العلاقة.

ومن هنا ندرك أن القيمة الأساسية هي الاحترام ثم يأتي الحب والثقة والتواصل الجيد. وهي أمور مهمة جداً في أي علاقة صحية بين زوجين. لذا يجب أن تتحلى بالصدق والصراحة حتى في المحادثات غير المريحة، لأن جودة التواصل بين الزوجين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصدق والصراحة. لكن ماذا يعني التواصل بالفعل؟

اقرأ أيضًا: كيف تغير نفسك من الداخل لتصبح الشخص الذي تريده؟

التواصل الجيد

إذا قلنا إن زوجين يعانيان من نقص في التواصل، فإننا نتخيل شخصين لا يتحدثان أو ينقلان ما يشعران به، أليس كذلك؟ لكن ليست هذه هي المشكلة. حيث تكمن المشكلة في أنه يتواصل بشكل سيء، أو بالأحرى يتواصل دون احترام (القيمة الأكثر أهمية). حدد عالم النفس جون جوتمان السلوكيات الأربعة الأكثر إشكالية للتواصل مع شركائنا في عمله عن كيفية التنبؤ بالطلاق:

  • الازدراء: وهو التعبير عن عدم الاحترام، سواء كان لفظياً كالشتم، أو حركياً كغمض العيون والسخرية، وما إلى ذلك.
  • الانتقاد: ويعني الهجوم على شريك الحياة وانتقاده بشكل مستمر.
  • الدفاعية: وتعني الدفاع عن نفسك من النقد باستخدام الأعذار أو إلقاء اللوم على الآخر.
  • الانسحاب العاطفي: ويعني الانسحاب من التواصل بالتجاهل أو التشتيت أو التصرف وكأننا مشغولون.

يمكننا أن نرى جيداً أن من بين هذه السلوكيات الأربعة للتواصل الفاشل، فإن الشكل الأكثر شيوعاً للتنبؤ بعلاقة فاشلة هو الازدراء. وهو ما يدعم قولنا إن القيمة الأساسية لنجاح أي علاقة صحية بين الزوجين هي قيمة الاحترام. لذا فإن التواصل الجيد يأتي من الاحترام، ويساعد التواصل الصادق في علاقة جدية طويلة الأمد على فهم بعضنا البعض، ولكن الشيء الأكثر أهمية هو إنه يساعد في حل المشكلات عندما لا يزال من الممكن حلها، قبل أن تخرج عن السيطرة. لأنه عندما نحتفظ بهذه الضغينة الصغيرة في صندوق صغير، فإن تلك الضغينة تظل حية، وفي كل مرة نحتاج إلى صندوق أكبر حتى يبدأ الاستياء في الظهور.

اقرأ أيضًا: كيف تتحدث مع شريك حياتك عن موضوع صعب؟

فن الاستماع الفعال

لا يمكننا إنقاذ علاقة زوجية طويلة المدى سوى من خلال تطوير فن الاستماع الفعال، وعليك أن تأخذ بعين الاعتبار أن ما ينقله التواصل اللفظي هو 10% فقط مما تريد قوله، وهناك 90% أخرى من التواصل غير اللفظي. وفي أحيان كثيرة يكون الصمت المشترك أكثراً تواصلاً وتعبيراً من الكلمات. ولهذا السبب يجب وضع بعض الأساسيات في الاعتبار:

  • عند احتدام المناقشة، تجنب المقاطعة.
  • عندما تتعرض للانتقاد، تجنب الأعذار أو الهجوم المضاد.
  • عند الحديث عن موضوع شائك ومعقد، اختر الأسلوب الأكثر احتراماً وأدباً ولكن تحدث بصراحة.
  • انتبه إلى الإشارات غير اللفظية.
  • حافظ على التواصل البصري، وحاول أن تتفهم، وتحدث من القلب.

الثقة بين الزوجين

الثقة في الحياة الزوجية
الثقة من أهم سمات العلاقة الناجحة

هناك العديد من الأبحاث[7] المثيرة للاهتمام حول مسألة الثقة والعلاقة الصحية بين الزوجين، ولكن الأكثر صلة بموضوعنا هي الدراسات[8] التي تتمحور حول انعدام الثقة، وهي ما تترجم إلى عدم استقرار عاطفي أو صراع أو نية مباشرة للانفصال. وعلى الرغم من أن مفهوم الثقة يبدو واضحاً إلا أن الكثير منا يربط الثقة ب “الثقة بأن شريك الحياة لن يخون”. لكن مسألة الثقة أعمق بكثير من مجرد الاعتقاد بأن شخصاً ما قد يكون أو لا يكون مخلص لك. فهل تثق في أن تبقى زوجتك معك إذا أصبت بالسرطان غداً؟ وهل تثقي في أن يقوم زوجك برعاية طفلكما لمدة أسبوع واحد بمفرده؟ هل يمكنك أن تمنحي جميع أموالك لزوجك لإدارتها؟

كلما كان الالتزام أعمق، كلما كانت حياة الأشخاص المشاركين في العلاقة أكثر تشابكاً. فأنت تقدم قطعاً صغيرة من نفسك لذلك الشخص، والقليل فقط من الناس يتعاملون مع هذه الهدية بالاحترام الذي تستحقه. ولهذا السبب يصعب على الناس الانفتاح في البداية خوفاً من التعرض للخطر، لذا لا يثق الجميع بالآخرين. فعندما تفتح صدفتك، تنكشف جميع أعضائك، مما يجعلك عرضة للهجوم.

المسؤولية والعلاقة الصحية بين الزوجين

إننا إذ نثق في شريكنا نعطيه قوة كبيرة، ويصبح لديه القدرة على إيذائنا، لكن مثل أي قوة يجب أن تأتي مع المسؤولية. تلعب الثقة دوراً هاماً في هذه اللحظة، فعلى الرغم من امتلاك الشريك الأسلحة والقوة اللازمة لإيذائك ومهاجمتك، إلا إنه لن يفعل ذلك. فإذا فتح شريكك صدفته ليُظهر لك ما بداخله، ومازلت تهاجمه، فسوف يبدأ في النزيف، وستستغرق تلك الجروح وقتاً طويلاً للشفاء. بعبارة أخرى، عندما نفقد الثقة ربما يمكننا استعادتها، ولكن مع الكثير من العمل والحب، ويمكننا إنقاذه من طعنة أو اثنين من الطعنات السطحية، لكن الطعنات المستمرة دون توقف سيكون من المستحيل التعافي منها.

يخشى بعض الناس من منح الحرية والاستقلالية لشركائهم، لأنه في أعماقهم تنعدم الثقة في الشريك وفي أنفسهم. ويتمثل انعدام الأمان في التفكير أنه إذا أعطيت شريكك مساحة كبيرة جداً، فسوف يكتشف أنه لم يعد يريد أن يكون معك. وهؤلاء الأشخاص الذين لا يعرفون هذه القيمة ولا توجد في علاقاتهم، هم أكثر الناس الذين يحاولون التحكم في سلوك شريك حياتهم.

اقرأ أيضًا: كيف تتخطى تجربة الانفصال العاطفي بعد علاقة الحب؟

قضية المال

يبدو أن المال والحب أمرين ينتمي كل منهما إلى عالم مختلف. فالأول عملي والثاني مثالي، ومع ذلك يرتبط هذان العنصران بصورة كبيرة لا يمكن تصورها. تشير العديد من الدراسات[9] إلى أن المال هو القضية الأكثر إثارة للصراعات بين الأزواج، وهو السبب الرئيسي الثاني للطلاق بعد الخيانة الزوجية. عامل المال هو القضية الأصعب، فهو أصل العديد من الخلافات عندما لا يكون هناك توازن بين الزوجين. وهذا ليس بسبب من يكسب أكثر من الآخر، ولكن ما يخلق الصراعات هو أساليب الادخار والانفاق الفردية.

تساهم المشكلات الطارئة في الحياة الزوجية على الزوجين، على سبيل المثال، عندما يفصل أحدهما عن عمله، فقد يشعر الآخر الذي يوفر المال أن لديه سلطة اتخاذ القرار بشأن جميع القضايا المتعلقة بتمويل الأسرة، وهنا يظهر الاحتكاك والاستياء. ويمكن أن يخفي عدد كبير من الأزواج مشترياتهم عن شركائهم لتجنب المواجهات، ويشرعون في الكذب بشأن الأشياء الصغيرة التي تقوض الثقة والصراحة والصدق. كذلك يؤدي الضغط الناجم عن نقص المال إلى مشاكل في التواصل والتوتر داخل الأسرة.

صحيح أن المال يساعد على الشعور بالسعادة، ولكنه ليس بديلاً عن الحب بأي شكل من الأشكال. فالحب لا يمكن شراؤه. يمكنك أن تدفع مقابل ممارسة الجنس، أو شراء مصنع، ولكن لا يمكنك أن تدفع ثمن الحب لأنه ليس شعوراً طوعياً. يُقال لنا دائماً أن المال يأتي ويذهب، وهذا صحيح، وما يبقى هو القيم الزوجية والحب بين الزوجين. فما الذي يمكننا فعله لتجنب مثل هذه الصراع الخاصة بالمال؟

ربما يكون المال أحد الموضوعات المحظورة بين الزوجين. ولكن الطريقة الوحيدة التي تجعله لا يعترض طريق العلاقة هي إبراز المشكلة بوضوح، والتحدث ومناقشة الشؤون المالية بشكل مفتوح وصادق. وهو أمر ضروري جداً، وبعد الانتهاء من ذلك يختفي التوتر على الفور بغض النظر عن مدى سوء المشكلة المالية التي يواجهها الزوجين. لذا سيكون من المنطقي إنشاء أنظمة مالية منزلية لا تقلل من شأن المعايير والقيم.

اقرأ أيضًا: الطريق إلى تحقيق الذات في الحياة

الامتنان الحقيقي

العلاقة الصحية بين الزوجين
علاقة السعادة والامتنان

يعد الامتنان الحقيقي من أهم السمات التي تميز العلاقة الصحية بين الزوجين، وهو مؤشر على السعادة بين الزوجين[10]. لذا يجب على كل زوج أن يكون ممتناً لكونه مع شخص يظهر الاحترام له، ولعمله، ولطريقة تواصله معه، ولقيمه. ولا ننسى أن نتمسك بقيمنا الشخصية مهما كان الأمر، لأن بدونها يكاد يكون من المستحيل مواجهة التغييرات القادمة، فلا أحد يبقى في شهر العسل إلى الأبد. لذا عليك الحذر لأنك ستستيقظ في صباح يوم من الأيام وتنظر في وجه شريك حياتك، وتدرك أنك وشريكك أصبحتما الآن أشخاصاً مختلفين تماماً عما كنتما عليه عندما التقيتما.

التغيير سنة الحياة، ومن المنطقي والطبيعي بعد مرور عشر سنوات سيكون المرء نوعاً آخر من الأشخاص. وعندما نقول “تغيير” لا نقصد لون الشعر أو الملابس أو غيرها، لكننا نقصد التغيرات المهمة في الحياة سواء كانت طريقة التفكير، والنضج العاطفي، وما إلى ذلك. عندما نرتبط بشخص ما فلن نعرف من سنكون معه بعد سنوات قليلة، لذلك علينا أن نقع في حب أسسه الشخصية، وصفاته الجوهرية الداخلية، وليس الصفات العابرة والمتغيرة.


المرونة والعلاقة الصحية بين الزوجين

لا يتبقى لدينا سوى الحديث عن قيمة تعتبر واحدة من أهم القيم داخل أي علاقة زوجية صحية، وهي المرونة. وبدون هذه القيمة الهامة لن تحصل على سعادتك في حياتك الزوجية. تعني المرونة الاستعداد لمواجهة كل ما هو غير متوقع، والقدرة على التكيف مع متغيرات الحياة. وكما قال داروين من قبل:

“ليس الأقوى هو الذي يبقى ويتطور، بل أولئك الذين يتكيفون بشكل أفضل مع التغيرات”

القدرة على التكيف

من المؤكد أنه لا توجد علاقة من العلاقات تحدث فيها موجات تغيير أكثر من العلاقة الزوجية، ولكن تعرض العلاقات الزوجية لموجات كثيرة من التغيير لا يجعل منها علاقات سامة، ففي بعض الأحيان تشعر بالحب المُرضي العميق، وفي أحيان أخرى تشعر “بلا شيء”. أوقات تضحكان معاً، وأوقات لديك شعور بأنكما تتجادلان حول كل شيء. كما لو أنك تعيش في أفعوانية، تستمر في الصعود والهبوط، ولكن مع مرور الوقت والقدرة على التكيف تصبح أكثر مرونة في التعامل مع هذا الصعود والهبوط.

اقرأ أيضًا: كيف تعيش حياة سعيدة: 10 قواعد لحياة مثالية هادئة

تذكر أن الأيام الأسوأ لم تأت بعد، يُشبه الأمر كما لو كنت تبحر بسفينة وسط البحر، هناك أيام يكون البحر هادئ، وفي أيام أخرى تظهر العواصف. في حياتنا نفقد وظائفنا، ويموت الناس، وينتقل الأزواج إلى مكان آخر، ونجني الكثير من المال ونخسره. لكن لكي نكون قادرين على مواجهة العواصف والمرور برشاقة عبر هذه التحديات يتوقف الأمر على متانة وقوة السفينة التي تحملنا، والعلاقة الصحية بين الزوجين هي هذه السفينة.

References

[1] Predictors of Extradyadic Sexual Involvement in Unmarried Opposite-Sex Relationships.

[2] Re-examining Adaptation and the Set Point Model of Happiness: Reactions to Changes in Marital Status.

[3] Being lovesick was a real disease in the Middle Ages.

[4] Hacking heartbreak: the ultimate guide to getting over ‘The One’.

[5] Values in romantic relationships.

[6] Respect in close relationships: Prototype definition, self-report assessment, and initial correlates.

[7] Trust in Relationships: A Study to Determine the Importance of Trust.

[8] Influence of Lack of Trust on Romantic Relationship Problems: The Mediating Role of Partner Cell Phone Snooping.

[9] Examining the Relationship Between Financial Issues and Divorce.

[10] It’s the little things: Everyday gratitude as a booster shot for romantic relationships.

اترك تعليقاً