أسلوب حياة

المماطلة: كيف نخرج من دائرة التأجيل المتكرر؟

التوقف عن المماطلة والتسويف هدف نسعى إليه جميعاً. وقد تعرضنا للكثير من الأقوال الشائعة التي تفيد بضرورة إنجاز المهام أول بأول، لكنها تمر علينا مرور الكرام، دون أن نلاحظها. فهل تماطل؟ وتشعر بالسوء حيال التسويف؟ لا تقلق، فسوف نقدم لك في هذا المقال شرح بسيط وبعض الارشادات المفيدة كي تتخلص من المماطلة إلى الأبد.

ما هي المماطلة؟

تُعرف كلمة المماطلة على أنها تأجيل أو تأخير دون عذر سواء إلى الغد أو إلى أجل غير مسمى. والمماطلة ليست عيباً في شخصية المرء، ولكنه وسيلة لمواجهة المشاعر السلبية مثل القلق والتوتر وانعدام الأمن والاستياء، وما إلى ذلك. وقد كانت هذه الصفة ملازمة للإنسان منذ الأزل، حيث ساعدته على البقاء على قيد الحياة، من خلال منح الأولوية للاحتياجات قصيرة المدى، وترك الأخرى لما بعد.

وقد أصبحت المماطلة مشكلة أساسية في عصرنا الحالي، وذلك لكثرة المهام التي نقوم بها في حياتنا. ومن ثم يجد المرء نفسه عالقاً في دائرة من التسويف بسبب سوء المزاج واللامبالاة وعدم الرغبة في إنجاز المهام التي يمكن تأجيلها. إذن التسويف هو فعل أو عادة تأخير الأنشطة أو الأمور التي يجب معالجتها، واستبدالها بأمور أخرى أكثر متعة. وهو أحد لصوص الوقت الذي يتعين علينا التعامل معه في يومنا الحالي.

تخيل أنه يجب عليك البدء في عمل دراسة عن موضوع ما في مادتك الدراسية، أو عليك تقديم تقرير طُلب منك في عملك، ولا يزال لديك بعض الوقت لتسليمه. هنا تأخذ قرار البدء على الفور في إنجاز هذه المهمة. وفي تلك اللحظة التي تبدأ فيها يتبادر إلى ذهنك فكرة تخبرك أنه من الأفضل أن تغير ملابسك لتكون أكثر راحة. لذا تتوقف عما تفعله وتذهب لتغيير ملابسك. وفي طريقك إلى غرفتك تمر على مطبخك، فتحدثك نفسك بتناول وجبة خفيفة قبل ارتداء الملابس حتى لا تجوع أثناء عملك وتضطر لتركه في المنتصف لتأكل، وأثناء تناولك الطعام، تنظر من النافذة، لترى كم هو يوم جميل، وتقرر الذهاب في نزهة لممارسة بعض التمارين قبل الجلوس للعمل.

هنا تدرك أن الوقت قد مر وضاع، وانتهى الوقت المخصص لهذه المهمة. ومن هنا تبدأ في الشعور بالتوتر والقلق، ويسيطر عليك الشعور بالذنب، ولا تفكر سوى في محاولة إنجاز المهمة قبل الوقت المحدد بفترة صغيرة، مما يجعلك أقل إنتاجية وكفاءة.

أسباب المماطلة

علاج المماطلة والتسويف
أهم أسباب المماطلة

من الضروري معرفة الأسباب التي تجعلنا نقع في الحلقة المفرغة لتأجيل التزاماتنا لكي نستطيع التخلص من المماطلة والتسويف. صدق أو لا تصدق، تُظهر الإحصائيات أن التسويف يؤثر على أكثر من 20٪ من سكان العالم، وهو في الواقع عامل نفسي متأصل في البشر.

تشير الدراسات إلى أن السبب الرئيسي للمماطلة مرتبط بالخوف من الفشل، خاصة عند الأشخاص الذين يميلون إلى الكمال أو لديهم تدني احترام الذات. إذن التسويف المستمر هو مشكلة تتعلق بالتحكم في عواطفنا وليس فقط حول إدارة الوقت. حيث أن تأجيل المهام يمكن أن يحسن من حالتنا المزاجية على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل يمكن أن يؤثر على أفعالنا وأهدافنا الشخصية. ويمكن اختصار أسباب المماطلة والتسويف فيما يلي:

  • المهمة غير جذابة.
  • تدني احترام الذات وقلة الثقة بالنفس.
  • وجود توقعات غير واقعية وغير قابلة للتحقيق، مما قد يؤدي إلى التقاعس عن العمل.
  • المشاعر مثل التوتر والقلق والإحباط أو الملل المرتبط بالمهمة التي يتعين القيام بها.
  • الإفراط في التخطيط والسعي إلى الكمال.
  • الشعور بعدم الرضا عما تفعله.
  • صعوبات التنظيم الذاتي، والميل إلى الاندفاع والرغبة في إنجاز كل شيء بشكل عاجل.

لماذا يجب أن نتوقف عن المماطلة؟

أهمية علاج المماطلة
أهمية التخلص من المماطلة والتسويف

تظهر المماطلة والتسويف وتأجيل المسؤوليات في الأشخاص الذين لا يتمتعون بضبط النفس وقوة الإرادة. تقول الحكمة القديمة:

 

إذا كنت تريد أن تجعل مهمة سهلة تبدو صعبة جداً، فاستمر في تأجيلها

 

فهل تساءلت يوماً عن كيفية تمكن زميلك في العمل من إنهاء مهامه في الوقت المحدد؟ أو كيف يفعل ذلك الصديق الذي يستيقظ كل صباح مفعماً بالطاقة ليذهب للجري قبل أن يبدأ روتين يومه، بينما تجلس في السرير وتتفقد شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بك؟

يتعلق الأمر كله بالموقف والرغبة في تبني عادات جديدة! الخطوة الأولى هي أن ندرك أننا نريد تغيير حياتنا وأن نصبح أشخاصاً أكثر فاعلية. ومعرفة أن عادة المماطلة والتسويف ستؤدي بنا إلى عواقب وخيمة تقلل من تقديرنا لذواتنا وتساهم في تعزيز المزاج السيء وتجنبنا اتخاذ قرارات مهمة في يومنا، وبالتالي نقع في شرك أسلوب حياة غير مرضي.

كيف تتخلص من المماطلة؟

التخلص من المماطلة والتسويف
كيف تتوقف عن المماطلة والتسويف

على الرغم من أنه لا يوجد أحد لديه الوصفة السحرية للتوقف عن التسويف، إلا إننا نقدم لك قائمة عملية بما يمكنك القيام به لاتخاذ الخطوة الأولية نحو حياة أكثر فعالية وإيجابية.

  1. تخلص من الإغراءات

    المفتاح الأول والأهم والأكثر فاعلية هو قمع الإغراءات، فأحد أسباب المماطلة هو وجود الكثير من المشتتات مثل الشبكات الاجتماعية والتلفاز والأطفال، وما إلى ذلك. لذا ما عليك سوى تحديد كل العناصر التي قد تكون مغرية وحركها بعيداً عن الأنظار، فكلما زاد تركيزك زادت الفعالية. تذكر أنه عندما يتعلق الأمر باستغلال الوقت، فإن من يتجنب الإغراء يتجنب الخطر. وإذا وجدت أنه من الممل جداً كتابة تقرير، فانتقل إلى مكان جميل في منزلك، وأشعل شمعة معطرة وحضر لنفسك فنجاناً من القهوة أو الشاي.أخلق بيئة مواتية تجعلك ترغب في العمل.

  2. اكسر حاجز البداية

    إن أصعب شيء في بدء أي مهمة هو لحظة البدء، ما عليك سوى التغلب على هذه اللحظة، والشروع في المهمة، فإذا تمكنت من ذلك فسوف تنجز نصف العمل، ومن الدقائق الخمس الأولى، سيكون عقلك هو الذي يساعدك. لأنه سيخلق القلق اللازم لإنهاء المهمة التي بدأتها.

  3. قسّم المهمة

    يظهر التسويف في كثير من الأحيان مع المهام الطويلة والثقيلة، لذا فالحل الوحيد هو تقسيمها إلى مهام صغيرة، ومن هنا ستبدو المهمة أكثر قابلية للإدارة، وبعد أن تنتهي من القسم الأول ستشعر بالرغبة في الاستمرار إلى القسم الثاني، وهكذا سوف تنتهي من المهمة في وقت أقل مما كنت تتخيله. قم بتنفيذ المهام واحداً تلو الآخر، ببطء ولكن بثبات. بلا شك، واحدة من أفضل النصائح لتعلم التخلص من المماطلة والتسويف.

  4. خذ استراحة قصيرة في نهاية كل مهمة

    إذا أنهيت أياً من المهام الفرعية التي حددتها بنفسك، عليك منح نفسك استراحة قصيرة، وسترى كيف تستعيد القوة الجسدية والعقلية. إن التعب هو العامل الذي يضاعف عدم الاهتمام ويقلل من قدرة المرء على إتمام مهامه. لذلك من المهم جداً تحديد فترات قصيرة من الانفصال والراحة من النشاط. وليس هناك مانع لمكافأة نفسك بشيء تحبه، فربط مهمة مملة بشيء ممتع كمكافأة يزيد من الدافع، فهي تعمل كحافز.

  5. عامل نفسك جيداً

    الخطأ جزء من التعلم. إذا كنت مخطئاً، سامح نفسك وتعلم من الخطأ. وعندما تبدأ المهمة، شجع نفسك بأن لديك القدرة على إتمام هذا الأمر، فمعاملة نفسك جيداً هي واحدة من الأمور الرئيسية لمعرفة كيفية التخلص من المماطلة والتسويف.

  6. تجنب الإفراط في الكمال

    من الجيد أنك تريد القيام بالمهام على أكمل وجه، ومع ذلك، لا يمكنك أن تصل إلى الكمال، فليس له وجود، ولابد من وجود أخطأ، أما الكمالية المفرطة ستجعلك تعيد تصحيح الأخطاء، ومراجعة المهمة بشكل أكثر من اللازم، وفي كل مرة ستكتشف أنها ليست بالصورة التي تتخيلها، ومن ثم تصيبك مشاعر غير سارة مثل الشعور بالذنب لعدم القيام بذلك بشكل مثالي.

  7. فكر في العواقب الإيجابية

    ضع في اعتبارك ما ستحققه من أداء المهمة ومزاياها. على سبيل المثال، عند إعداد التقرير، ستشعر بالرضا لأنك تمكنت من القيام بذلك وسيكون ذلك مفيداً لك على المستوى المهني.

  8. قل وداعاً للخوف أو الفشل

    إذا كنت تفكر في التخلص من المماطلة والتسويف، فعليك التخلص من القلق في حياتك. لا ينبغي أن تكون كلمات “الخوف” أو “الفشل” عقبة، فنحن نؤكد لك أنك إذا فكرت في كل ما حققته في حياتك، فسوف تدرك أنك قادر على كل شيء وأكثر من ذلك بكثير. سيؤدي تبني فكرة أكثر إيجابية عن الحياة إلى إيقاظ قدرتك على تحقيق كل ما تفكر فيه. وإذا لم يكن ذلك كافياً، ففكر، ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث إذا لم نحقق ما نريد؟

  9. أدر أهدافك واستمتع بالعملية

    ستتيح لك مراقبة ومراجعة أهدافك تحديد المهام التي تحتاج إلى إكمالها في يومك الحاضر وفي الغد. ولا تنس أبداً أن ترافق إدارتك للمسؤوليات بفرح وتحفيز. سيكون تبني عادات صحية جديدة هو المحرك لتحقيق كل ما تخطط للقيام به. تذكر أن كل تغيير يتطلب موقفاً جيداً وأن أفضل وقت للبدء هو الآن!

  10. اغفر لنفسك عندما تماطل

    يمكن لهذه الإرشادات السابقة أن تقلل من شدة التسويف لديك. ولكن هناك فرصة لأن تماطل مع ذلك، لذا سامح نفسك، وتخلى عن شعورك بالذنب، وستشعر بتحسن وستكون قادراً على الالتزام بالمهمة في المرة القادمة. وتذكر أن التسويف ليس عدوك، إنه مصدر يلجأ إليه عقلك لحمايتك. اخترق عقلك من خلال إدارة عواطفك وأظهر له أنك على ما يرام وأنك قادر على التعامل مع الموقف. اعتني بمشاعرك اليوم وسوف تصنع مستقبلاً أفضل.


يمكن أن يصبح التسويف عدواً قوياً لأهدافنا، ويأخذنا بعيداً عنها ويعيق الطريق. وفي مجتمع اليوم، يتم إيلاء الكثير من الاهتمام “للأهداف النهائية” بحيث يتم عادةً تجاهل أهمية الطريق الذي يصل بنا إلى تحقيق هذه الأهداف، والخطوات التي يجب اتباعها، مما يزيد من مشاعر القلق والارتباك المرتبط بالتسويف. ولهذا السبب، يعد التنظيم المتماسك وتحديد أولويات الأهداف والإدارة الفعالة لمواردنا أمراً ضرورياً لتحقيق النجاح في الحياة.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!