الثقافة الجنسية في الإسلام: هل الحديث عن الجنس عيب أم حرام؟

You are currently viewing الثقافة الجنسية في الإسلام: هل الحديث عن الجنس عيب أم حرام؟
الثقافة الزوجية في الإسلام

الحديث عن المشاكل الجنسية ليس مهماً بقدر معرفة هل نحن في حاجة إلى ثقافة جنسية أم لا؟ لإن التعرف على المشكلة هو الطريق لحلها، لكن التجاهل والنفور والهروب منها لن يصل بنا إلى حل على الإطلاق. ومشكلتنا في العالم العربي والإسلامي هي الخوف غير المبرر من مناقشة تلك الأمور التي تتعلق بالحياة الزوجية والعلاقات. وذلك لأن الحديث في مثل هذه الأمور يدخل في عداد العيب والحرام. في هذا المقال نتعرف على الثقافة الجنسية في الإسلام باستفاضة.

ماذا تعني الثقافة الجنسية

يعتقد الكثير في العالم العربي والإسلامي أن الثقافة الجنسية مرادفاً لممارسة الجنس، وهذا تعريف مغلوط ساهم في انتشاره الجهل المتفشي للأسف في عالمنا. ومع ذلك تعني الثقافة الجنسية المعرفة والعلم اللازم بمتطلبات الجسد ورغبات المرء وشريك حياته من أجل ممارسة آمنة وصحية للجنس.

تنتشر العديد من الأفكار التي تعتقد أن الدين الإسلامي يحرم الحديث في مثل هذه الأمور، والإسلام براء من هذا الادعاء، فلقد حثنا الدين الإسلامي على السعي إلى المعرفة أياً كان نوعها. كما أن الإسلام تطرق إلى جميع الأمور الحياتية التي تخص كل مسلم من آداب تناول الطعام والنوم وارتداء الثياب إلى كيفية القيام بالعلاقة الزوجية وشروطها منذ بدايتها وانتهاءً بالغسل منها. لذا ينبغي على كل مسلم أن يسعى إلى الثقافة الجنسية كونها إحدى ضرورات الحياة.


أهمية التثقيف الجنسي

يساهم التثقيف الجنسي في تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الشباب عن العملية الجنسية. تلك المفاهيم التي استقوها من بعض المواقع الإلكترونية التي تقدم معلومات مغلوطة عن الجنس. وربما ساهمت مشاهدة الأفلام الإباحية في خلق خيال مشوه لدى هؤلاء الشباب عن التجربة الجنسية. لكن الإسلام شرح باستفاضة وقدم الكثير من المعلومات التي تخص قضية الزواج بأكملها. ولا حرج في هذه المعرفة.

الأمر الثاني هو أن توافر المعرفة اللازمة لتكوين أسرة تساهم في معرفة حقوق كل شخص تجاه الآخر مما يجعل الحياة أسهل كثيراً. يساعد التثقيف الجنسي كذلك على التخلص من الخوف والقلق والتوتر الذي يعاني منه الشباب عند الزواج. فهذه المشاعر السلبية هي التي تؤثر على الحياة الزوجية، وهي السبب الرئيسي في انتشار الكثير من الخرافات السائدة مثل الأعمال والسحر وغيرها. لكن إذا تحصل المرء على الثقافة الجنسية اللازمة قبل الزواج سيدرك على الفور أن كل تلك الأمور هي أمور نفسية صنعتها المعلومات المغلوطة التي تلقاها من قبل. ومن هذا المنطلق تفيدنا هذه الثقافة في الحفاظ على الصحة النفسية، وبالتالي الصحة الجسدية.

إن المعاناة التي يعاني منها المراهقين اليوم هي خوفهم من طرح الأسئلة الخاصة بالجنس، والرعب من التعبير عن تلك المشاعر التي ترتبط بهذه القضية. ويساهم الآباء في تنامي هذا الخوف نظراً للحرج الذي يشعرون به عند طرح أحد أبنائهم هذه الأسئلة عليهم. مما يجعل الحديث عن الثقافة الجنسية مبهماً ويشوبه الكثير من الغموض والالتباس. ومن ثم يكبر الشاب ويترعرع وقد غرس في عقله أن الحديث عن مثل هذه الأمور يدخل في عداد العيب وإنعدام الأدب إن لم يدخل ضمن عداد الحرام. ليجد نفسه يرغب في الزواج وفي تلك اللحظة يقف عاجزاً إذا حدثت أي مشكلة. فهو لا يرغب في الحديث عنها وطلب المساعدة. 

اقرأ أيضًا: مشكلات الحياة اليومية النفسية والاجتماعية وحلولها

آيات القرآن عن العلاقة الجنسية

هناك الكثير من آيات القرآن الكريم التي حملت في طياتها معلومات ثقافية خاصة بالزواج. ونشير هنا إلى الزواج نظراً لأن الإسلام حرم جميع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. يقول الله تعالى في قرآنه الكريم:

“ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة”[1].

كما تحدث عن بداية العلاقة الجنسية بين الزوج وزوجته قائلاً:

“نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم، وقدموا لأنفسكم، واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين”[2].

فبهذه الكلمات القصيرة استطاع القرآن أن يصف بداية العلاقة الزوجية بمنتهى الدقة. ثم يتحدث القرآن في كثير من الآيات عن النكاح وآدابه وعن العلاقة الزوجية خلال المحيض وعن الطلاق، وكل المسائل التي تتعلق بالثقافة الزوجية والجنسية. ثم يأتي بعد ذلك من يقول لنا أن الحديث عن الثقافة الجنسية محرم في الإسلام، فهذا من بدع الأمور.

اقرأ أيضًا: أهمية الثقافة: كيف تؤثر الثقافة على الأفراد والمجتمعات؟

الثقافة الجنسية في الإسلام والصحة النفسية

أهمية الثقافة الجنسية
يساهم التثقيف الجنسي في الصحة النفسية

تشير الطبيبة هبة قطب المتخصصة في الطب الجنسي إلى أننا توارثنا تصوراً خاطئاً مؤداه أن خلق الحياء يمنع المسلم من أن يخوض في أي حديث يتصل بأمور الجنس، وتربينا على اجتناب التعرض لأي أمر من هذا القبيل سواء بالسؤال أم بالجواب إن طلب منا الجواب أو بالمشاركة في مناقشة مهمة وجادة.

وتضيف أن الجنس وكل ما يتعلق به من قريب أو بعيد يظل في إطار هذا التصور الخاطىء وراؤه حجب كثيفة لا يستطيع اختراقها إلا من كان جسوراً إلى درجة الوقاحة أو كان ماجناً. أما الأسوياء والمهذبون فشأنهم عندنا عجيب إذا أثير حديث جاد وبصورة عرضية فيه رائحة الجنس تراهم وقد تغير وجههم من الخجل، وارتج عليهم في المسلك والقول وكأنهم وقعوا في مأزق حرج. وربما لاذوا بالفرار بعيداً. وإذا فرضنا أن تجرأ أحد الكبار سواء والد أو مدرس وفتح حديثاً يقصد به تقديم نصيحة في أمر من أمور الجنس نرى المستعمين استقبلوه بامتعاض، وقالوا لأنفسهم ليته يسكت.

وتقول إذا عرض للشباب مشكلة تتصل بالأمور الجنسية أو الأعضاء الجنسية حار في التماس التصرف الملائم والجهة التي يمكن أن يقصدها بحثاً عن حل أو علاج. هل يتحدث مع الوالد أو الوالدة أو المدرس أو المدرسة. والسبب هو ذلك الحاجز الذي أقامه هؤلاء الكبار بينهم وبين أبنائهم وتلاميذهم. مما ألقي بصورة غير مباشرة بصمتهم عن كل ما يتعلق بالأمور الجنسية سنوات طوال وبصدهم للصغار حين يثيرون أسئلتهم الساذجة البريئة في مجال الجنس. وهذا ما ألقى في روع الأبناء منذ الصغر أن كل ما له علاقة بالأمور الجنسية يعتبر عيباً لا يجوز الخوض فيه.

اقرأ أيضًا: العلاقات السامة: هل يجب التخلص منها أم محاولة إصلاحها؟

الثقافة الجنسية في الإسلام جائزة شرعاً

يشير العديد من علماء الأزهر الشريف إلى أن الله تعالى أنزل في كتابه الكريم من أمور الجنس أشياء كثيرة. وفي القرآن شواهد تطبيقية على أن ذكر الأمور الجنسية في مناسبتها لا يتعارض مع الحياء بوجه من الوجوه. كما ينبغي أن نكون على دراية أن النبي كان شديد الحياء ومع ذلك تحدث في هذه الأمور. فلقد ورد في السنة عن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه:

“كان النبي صلي الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها”[3].

الحياء عند الحديث عن الأمور الجنسية

وهذا الحياء البالغ لم يمنع الرسول الكريم من أن يعلم الناس أمور الجنس ويستمع إلى أسئلتهم وشكواهم المتعلقة بالجنس في سماحة ويسر، حتى وإن كانت بعض تلك الأسئلة والشكاوى صارخة في التعبير. لذا ينبغي أن تكون لنا قدوة حسنة في القرآن والسنة، فنتعلم منهما النهج السوي في الحديث عن أمور الجنس نهجاً بسمو التعبير مما يتوافق مع الحياء السوي كاستعمال الكناية والمجاز. حيث يغنيان عن الحقيقة والإشارة حيث تغني عن العبارة والتلميح يغني عن التصريح.

القرآن وآداب العلاقات الزوجية

هناك كذلك شواهد كثيرة تبين كيف عالج القرآن الكريم في أدب كثير من القضايا التي لها علاقة بالأعضاء التناسلية أو بالمتعة الجنسية، فقدم بذلك للمؤمنين والمؤمنات ثقافة جنسية رصينة. وشواهد أخرى تبين كيف تأس رسول الله بالقرآن العظيم، وكذلك صحابته الكرام بعده فعالجوا جميع القضايا بوضوح وبحياء تام.

وأن أعضاء البدن كله تشمله الطهارة والكرامة، سواء كانت ضمن الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي أو الجهاز التناسلي. وكذلك أعمال الإنسان كلها تشمل الطهارة والكرامة إذا تمت وفق شرع الله سواء كانت أعمال تجارة أو مباشرة جنسية.

لذا كان من الطبيعي أن تذكر أعضاء التناسل وأعمال المباشرة الجنسية، وما يؤدي إليها وما يتيح عنها عندما تأتي المناسبة. وكما إنه لا حرج في ذكر اليدين والفم أو في ذكر الدم فإنه لا حرج كذلك في ذكر السوأتين والفرج والنطفة والمني والمحيض والطهر وذكر الرغبة في النساء والتلهف على الاستمتاع بهن مادامت المناسبة مشروعة والأسلوب راقياً. والهدف هو مصلحة المؤمنين والمؤمنات في دينهم ودنياهم هذا هو الدين ولا دين عندنا غير هذا الدين.

هوامش

[1] القرآن الكريم – سورة الروم – الآية 21.

[2] القرآن الكريم – سورة البقرة – الآية 223.

[3] صحيح البخاري 3562.

اترك تعليقاً