جيش تيراكوتا: أسرار وخفايا جيش الطين العظيم

You are currently viewing جيش تيراكوتا: أسرار وخفايا جيش الطين العظيم
جيش تيراكوتا المصنوع من الطين أحد عجائب الدنيا

جيش تيراكوتا الطيني أحد أهم الاكتشافات الأثرية الحديثة، ويعد بمثابة الأعجوبة الثامنة من عجائب الدنيا. وهو عبارة عن جيش كامل قوامه حوالي 8000 جندي مصنوع بالكامل من الطين. وقد أمر ببناء هذا الجيش الطيني إمبراطور الصين الأول تشين شي هونغ الذي كان مهووساً بفكرة الخلود. فما هي أسطورة جيش التيراكوتا الصيني؟ ومَن هو الإمبراطور تشين؟ وما القصة وراء بناء مثل هذا الجيش العظيم؟ دعونا نخوض رحلة عبر الزمن لنجيب على كل هذه الأسئلة.

اكتشاف أثري

بدأت القصة في مارس عام 1974 عندما اكتشفت مجموعة من الفلاحين خلال حفرهم بئراً في مقاطعة شيان الصينية شظايا من تمثال طيني. لم يكن لديهم أية فكرة عما وجدوه، واعتقد بعضهم أنه رأس تمثال لبوذا، لكنه يكن كذلك، بل كان أول دليل على ما يمكن أن يكون أحد أعظم الاكتشافات الأثرية في العصر الحديث.

ما وجدوه كان في الواقع رأس تمثال جندي إمبراطوري، وهو واحد من آلاف التماثيل التي كانت جزءً من ضريح إمبراطور الصين الأول تشين شي هوانغ الذي بُني في القرن الثالث قبل الميلاد. لكن قبل دفنه في هذا الضريح خبأ بالقرب منه كنزاً غير عادي تحت الأرض: جيش كامل من جنود وخيول تيراكوتا بالحجم الطبيعي مدفونين لأكثر من 2000 عام.

عندما اكتشف المزارعون مجمع الدفن لأول مرة، شرع علماء الآثار في العمل في واحد من أكثر المواقع القديمة المدهشة. وكشفت الحفريات عن قلعة مترامية الأطراف بها آلاف المحاربين، كل جندي منهم مصمم بوجه فريد وملابس غاية في الروعة وتفاصيل تميزه عن البقية. هذا بالإضافة إلى وجود خيول وعربات وأواني طقوس برونزية ومجوهرات وزخارف ذهبية وفضية.

يقول المؤرخ الصيني سيما تشيان – أشهر المؤرخين في التاريخ – أن خشية الإمبراطور من اكتشاف العمال لهذا الكنز الموجود في بجانب ضريحه جعله يُغلق البوابة الخارجية لسجن جميع الحرفيين والعمال حتى لا يخرج أحد. كما تشير إلى أن هذا الإمبراطور الغامض تولى حكم الصين في الثالثة عشر من عمره. وعلى الرغم من توليه الحكم في سن صغيرة إلا إنه أمر عماله بالشروع في البناء على الفور. بينما عملت أعداد هائلة من العمال في ذلك المشروع الذي توقف مع اقتراب نهاية سلالة الإمبراطور. علاوة على ذلك، وفقاً للمؤرخ سيما تشيان، الذي كتب وصفاً للمقبرة في القرن الثاني قبل الميلاد، فإن غرفة الدفن محاطة بأنهار من الزئبق ونظام من الأقواس الأوتوماتيكية يحرس المدخل[1].

خصائص جيش تيراكوتا

جيش تيراكوتا الصيني ؛ تشين شي هوانغ أول إمبراطور للصين ؛ عجائب الدنيا
جيش كامل من الطين تم اكتشافه مؤخراً في الصين

لم يعثر علماء الآثار على جندي واحد فحسب، بل حوالي 8000 آلاف من جنود الطين، لكل منهم تعابير وجه فريدة ومرتبة حسب الرتبة. وعلى الرغم من رمادية اللون إلى حد كبير اليوم، إلا أن بقع الطلاء تشير إلى أن الملابس كانت ذات ألوان زاهية. كما كشفت الحفريات الأخرى عن سيوف وسهام وأسلحة أخرى، لكن العديد منها في حالة بدائية. ومع ذلك، فلا يزال هناك المزيد من المنحوتات تنتظر تحت الأرض حتى اللحظة المناسبة لاكتشافها، لأنها عملية حساسة ويريد العلماء القيام بذلك بأمان قدر الإمكان لضمان حالة الحفظ الجيدة.

أحد الجوانب الأكثر لفتاً للانتباه في جيش الطين هو أن أحجام التماثيل مصنوعة بالحجم الطبيعي. حيث يبلغ طول تمثال الجندي الواحد في المتوسط حوالي 1.80 متراً، وهو طول كبير بالنسبة للصينيين، لكن ربما يكون ذلك بسبب عملهم العسكري، لأن الرجال ذوي القامة الأطول سيكونون أكثر شراسة في المعركة.

هناك كذلك خصائص مميزة لمحاربي التيراكوتا بغض النظر عن اختلاف جميع أشكالهم، وهي أن الجيش يمثل أيضاً شخصيات من أعمار مختلفة، من الشباب الذين بدأوا للتو التدريب العسكري، إلى شخصيات كبيرة السن. ويعتقد الخبراء أن الخدمة العسكرية الصينية كان تبدأ في ذلك الوقت في سن الثامنة عشرة تقريباً، لذا فإن بعض الشخصيات تظهر بدون لحية[2].

عناصر جيش الصين الطيني

جيش الطين الصيني
صورة توضح مكونات الجيش من خيول وفرسان

يقف جنود جيش الطين الصيني في ممرات تحت الأرض تشبه الخنادق. وفي بعض الممرات، تصطف الخيول المصنوعة من الطين وراءهم عربات خشبية. ويمكن تقسيم موقع التماثيل إلى ثلاث حفر مختلفة تقع على بعد عدة أمتار من بعضها البعض، مما يوحي بأنها كانت تمثل معسكراً للجيش.

قام علماء الآثار بحفر أربع حفر حتى الآن، ثلاثة منها تحتوي على جنود من الطين، وعربات تجرها الخيول وأسلحة. أما الحفرة الرابعة فكانت فارغة، وهي شهادة على أن البناء الأصلي لم يكتمل. ولا يزال علماء الآثار يعملون على اكتشاف المزيد من هذا الكنز العظيم. وتسمح السلطات في الصين بزيارة الضريح ورؤية جيش الجنود مكشوفاً، لكن قبر الإمبراطور يظل مغلقاً. حيث يعتقد العلماء أنه إذا حاولت فتحه، فإن الأكسجين الموجود في الهواء سيتلف الطلاء الموجود بداخله. دعونا نرى ماذا اكتشف علماء الآثار في الحفر الثلاثة[3].

الحفرة الأولى: المشاة والعربات

كانت الحفرة الأولى التي اكتشفت مستطيلة وتغطي مساحة 14000 متر مربع، أي بحجم ثلاثة ملاعب كرة قدم تقريباً. تتكون الحفرة من ممرات مرصوفة بالحجر الرمادي، والسقف مدعوم بكتل خشبية سميكة ومتينة، بعضها بجانب بعض، ومغطاة بالحصير. توجد كتيبة من الرماة غير المدرعين في مقدمة الحفرة الأولى، وهي كتيبة مكونة من ثلاثة صفوف مجهزة بالقوس والسهام. تتخلل هؤلاء المحاربين عربات حربية مصنوعة من الخشب (المتهالك الآن) ولكل منها أربعة خيول من الطين. تحتوي كل عربة من هذه العربات على سائق يرتدي درعاً طويلاً للحماية، بالإضافة إلى محاربين مسلحين إما بأسلحة مشاجرة أو أقواس.

الحفرة الثانية: الفرسان

تقع الحفرة الثانية إلى الشمال من الحفرة الأولى مباشرةً، وتبلغ مساحتها حوالي نصف حجم الأولى وهي مربعة تقريباً مع منطقة منتفخة في الشمال الشرقي حيث تتواجد طليعة الجيش. تتكون هذه الحفرة كذلك من الرماة الذين يحملون أقواساً في المنتصف، بينما الجنود في الصفوف الأمامية في وضعية الوقوف وغير مدرعين، أما الجنود في الخلف فكانوا راكعين. تضم الحفرة الثانية كذلك حوالي 80 عربة حربية. لكل منها راكبان وسائق عربة، وهناك أيضاً بعض القوات المدرعة، المجهزة بأسلحة متنوعة.

الحفرة الثالثة: مركز القيادة

أصغر الحفر إلى حد بعيد هي الحفرة الثالثة، والتي تستخدم كمركز قيادة. ولها حرس شرف يتكون من محاربين مدرعين يحملون أعمدة طويلة. في المركز توجد عربة قيادة كبيرة يقودها أربعة محاربين بما في ذلك سائق العربة. كانت العربة مزخرفة بشكل جميل مما يشير إلى أنها كانت خاصة لحمل قائد الجيش. ولكن لم يظهر قائد الجيش ضمن أفراد تيراكوتا، ويحتمل أن القائد مدفوناً في قبر خاص به مثل ضريح الإمبراطور.

قبر تشين شي هونغ

قبر إمبراطور الصين الأول
مقبرة تشين شي هونغ

لا يزال قبر تشين شي هونغ[4] نفسه غير محفور، على الرغم من أن كتابات المؤرخ الصيني سيما تشيان تشير إلى كنوز أكثر من ذلك بكثير موجودة داخل قبر تشين. يقع قبر الإمبراطور على بعد بضع كيلومترات من المكان الذي توجد فيه التماثيل، وعلى الرغم من أن علماء الآثار لم يفتحوه بعد إلا أنهم تأكدوا من أنه ضريح عظيم عبارة عن قصر مهيب تحت الأرض. ومن بين الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام أن السجلات التاريخية تشير إلى أن المقبرة تحتوي على نسخ طبق الأصل خريطة الصين في ذلك الوقت بما تشتمل عليه من أنهار وجداول، لكن هذه الأنهار تمتلئ بالزئبق، والأغرب من ذلك أن الاختبارات الحديثة التي أجريت على تل المقابر كشفت عن تركيزات عالية بشكل غير عادي من الزئبق، مما أعطى مصداقية لبعض السجلات التاريخية على الأقل.

الغرض من البناء

يشير علماء الآثار إلى أن جيش تيراكوتا كان جزءً من ضريح الإمبراطور، وقد أمر ببنائه لمرافقته في الحياة الآخرة. كان الغرض من محاربي التيراكوتا هو حماية الإمبراطور تشين شي هوانغ في الحياة الآخرة. ففي العصور القديمة، كان يُعتقد أنه إذا تم دفن الموتى مع ثرواتهم وأشياءهم الثمينة، فإن ذلك يمكنهم من الاستمرار في استخدامها في الحياة الآخرة. وعندما مات الإمبراطور، لا بد أن معاصريه اعتقدوا أنه من خلال منحه جيشاً مكوناً من 8000 جندي من الطين، يمكن للإمبراطور الاستمرار في قيادتهم في العالم الآخر، تماماً كما فعل في حياته.

مَن هو إمبراطور الصين الأول؟

تشين شي هوانغ
الإمبراطور تشين شي هوانغ

منذ أكثر من 2000 عام، كانت الصين بين القرنين الخامس والثالث قبل الميلاد مقسمة إلى عدة ممالك تحارب بعضها البعض، وهي الفترة التي تعرف باسم فترة الممالك المتحاربة، وفيها تحاربت سبع ممالك من أجل السيادة على شرق وسط الصين. وقد تمكن تشين شي هوانغ من غزو الممالك الأخرى وتوحيدها جميعاً في دولة واحدة عام 221 قبل الميلاد. ثم أعطى الملك المنتصر نفسه لقب إمبراطور الصين الأول[5].

إصلاحات تشين شي هوانغ

كان للصين تاريخ طويل في الوقت الذي تم فيه توحيد دولها تحت إمبراطورها الأول. حيث نمت المستوطنات في الوديان الصفراء ونهر اليانغتسي لتصبح حضارة زراعية. بدأ شي هوانغ بقوة شخصية شرسة في تشكيل أراضيه الشاسعة في إمبراطورية صينية واحدة مطيعة لإرادته. وقام بالعديد من الإصلاحات، على سبيل المثال:

  • قام بتقسيم الأراضي إلى 36 منطقة قيادة، يشرف على كل منها حاكم، وقائد عسكري، ومفتش إمبراطوري، وجميعهم يتبعونه.
  • نقل مئات الآلاف من العائلات ذات النفوذ من مقاطعاتهم الأصلية إلى العاصمة، شيان يانغ، ليمكنه مراقبتهم عن كثب.
  • وحد الأوزان والمقاييس حتى أحجام العربات كان تصنع وفقاً لمقياس معين، بحيث يمكن وضعها ضمن الأخاديد الموجودة في طرق الصين.
  • بنى الإمبراطور الصيني الأول طرقاً لتعزيز التجارة.
  • وحد عملات الممالك القديمة، وأصدر عملة إمبراطورية جديدة.
  • فرض نفس القوانين في جميع المدن.
  • وحد الكتابة الصينية، بحيث يتم تمثيل جميع الكلمات التي لها نفس المعنى في لغات البلد المتنوعة بنفس الأحرف.

مساويء حكم تشين شي هوانغ

قمع شي هوانغ المعارضة بوحشية. تشير بعض الروايات التاريخية إلى إنه اعتقل وأعدم 460 باحثاً، وصادر النصوص التي استخدموها لانتقاد الحكومة وأحرقها. بينما خدم مئات الآلاف من الرجال في جيوش تشين، وتم حشدهم للدفاع ضد البدو في الشمال وضد القبائل الأخرى في الجنوب. ومئات الآلاف تم تسخيرهم لبناء القصور والقنوات والطرق. وقد قاموا ببناء دفاعات حدودية على طول النهر الأصفر، حيث بنوا 44 مدينة محيطة بأسوار تطل على النهر. كما امتد خط الدفاعات لأكثر من 3000 ميل. كان هذا المشروع الذي مات خلاله عدد لا يحصى من العمال، بمثابة بداية سور الصين العظيم.

لم يكن الضريح الذي يضم جيش الصين الطيني هو المشروع الكبير الوحيد الذي روج له تشين شي هوانغ، بل كان عازماً على جعل الصين إمبراطورية تدوم إلى الأبد، لذا أمر ببناء سور الصين العظيم للدفاع عن الصين ضد الغزوات الأجنبية.

البحث عن الخلود

ليس من المستغرب أن يكون الإمبراطور الأوتوقراطي هدفاً لعدة محاولات اغتيال. ومن هنا أصبح شي هوانغ مهووساً بفكرة الخلود. وكما سجل سيما تشيان المؤرخ الصيني أن مستشاري الإمبراطور نصحوه بأن أعشاب الخلود لن تعمل حتى يتمكن من التحرك دون أن يلاحظه أحد. وبناءً على ذلك، بنى ممرات تربط بين قصوره حتى يتمكن من التحرك بشكل غير مرئي.

مما لا شك فيه أن أكثر مشاريعه جنوناً كانت قبره الهائل، وحشد جيش تيرا كوتا المدفون الذي شيد بتكلفة هائلة من قبل 700000 مجند للعمل بالسخرة. وفي النهاية يكون اكتشاف مقبرة جيش تيراكوتا الصيني أحد أعظم الاكتشافات الأثرية في العصر الحديث بما يحمله من دقة في الصناعة والحرفية يكاد من فرط تفاصيله أن يكون جيشاً من لحم ودم.

المراجع:

[1] What Can Ancient Writings Tell Us About the Terracotta Warriors?

[2] Terra Cotta Soldiers on the March.

[3] Terracotta Warriors: An Army for the Afterlife.

[4] Mausoleum of the First Qin Emperor.

[5] Who was the Chinese emperor behind the terra-cotta warriors?

This Post Has 2 Comments

  1. علي عبدالرازق

    يستحق هذا الجيش أن يكون ضمن عجائب الدنيا السبع

اترك تعليقاً