قصة خاتم سليمان واحدة من أغرب القصص التي ذكرت في كتب التراث. وربما تعد هذه القصة من الحكايات الأسطورية التي تنتشر بين الناس، لكن ذكر هذه القصة وهب ابن منبه، ومحمد بن اسحق. وفي هذا المقال نستعرض سوياً تلك القصة.
خاتم سليمان داخل بطن سمكة
فيما مضى من الزمان كان سليمان يعمل صياداً لدى أحد الصيادين. وكان أجره في اليوم سمكتين، يبيع واحدة ليشتري بضع الأرغفة ويطهو الأخرى ليأكلها. واستمر النبي سليمان على هذا الحال طويلاً. حتى جاء ذلك اليوم الذي أحضر فيه السمكتين إلى زوجته. وعندما شرع في فتحهما وجد في إحداهما خاتماً ليس له مثيل، وضعه في ثوبه ليخفيه عن أعين الجميع.
وفي أحد الأيام أخرج سليمان الخاتم وارتداه وما هي إلا لحظات حتى اجتمعت حوله الطيور والرياح لتأتمر بأمره، اجتمعت لسليمان كل شيء فما من شيء يطلبه إلا ويحضر في الحال، حتى بدأت تظهر عليه أبهة الملوك ونعيمها. وفي هذه الأثناء توفي والده النبي داود عليه السلام، وانطلق سليمان ليتقلد مقاليد حكم مملكة بني إسرائيل من بعده ابيه.
ملك عظيم الشأن
تطرق إلى سمع سليمان أن هناك ملكاً عظيماً يقطن جزيرة من جزر البحر يدعى ” صيدون”. كان هذا الملك عظيم الشأن لكن لم يستطيع أحد أن يصل إليه. ولما كان لسليمان ملك لم يتأت لأحد من قبله ولا بعده، فلقد حملته الرياح بجنوده من الجن والأنس والطير والحيوان إلى جزيرة هذا الملك، ولما دعاه إلى عبادة الله رفض واستكبر، فما كان من سليمان والجنود إلا أن يقتلوه هو وجنوده. وخلال هذه الحرب رأى سليمان فتاة رائعة الحسن والجمال. لم يكن لجمالها مثيل، اقترب منها وعلم أنها ابنة الملك صيدون، وفي تلك اللحظة أمر بأسرها. وحينما عاد إلى مملكته تزوجها، لكن المرأة الحسناء لم يكن لها أن تنسى ما فعله سليمان بأبيها وأرضها، ومع ذلك كانت تطيعه خشية منه.
اقرأ أيضًا: قصة بقرة بني إسرائيل: حكاية بقرة تكشف هوية قاتل |
الزوجة تسجد لتمثال عظيم
كان سليمان يشعر بأن زوجته طوال الوقت حزينة وكأنها تحمل الكثير من الهموم، فلما سألها عن سبب حزنها أخبرته أنها لازالت تتذكر أبيها وملكه وسلطانه، فما كان من سليمان إلا أن قال لها أن الله قد أبدلها خير من ذلك، ولكن مع ذلك طلب منهم أن تطلب منه ما تشاء ليذهب عنها هذا الحزن.
كانت الزوجة تشاهد ما لسليمان من قوة، وقد علمت أن هذه القوة التي يمتلكها سليمان تكمن في هذا الخاتم. لذا طلبت منه أن يطلب من الجن والشياطين أن يصنعوا لها شيئاً يذكرها بأبيها على الدوام، فهو إن فعل ذلك ذهب عنها الحزن واختفى. وأسرع سليمان ليأمر جنوده من الشياطين أن يصنعوا لها ما طلبته. وهنا استغل الشياطين الفرصة وصنعوا لها تمثالاً عظيماً يشبه أبيها بالضبط.
وكلما نظرت إلى تمثال أبيها تذكرته، وتخيلت أنه بالفعل أبيها نظراً لإتقانه الشديد، فلا ينقص التمثال إلا الروح. انطلقت لتحضر بعض ثياب أبيها وألبست التمثال هذه الثياب، ومن ثم تمثل لها الشيطان ووسوس لها أن تسجد له، وفي تلك الأوقات التي يذهب فيها سليمان لبعض شؤونه كانت تظل عاكفة على هذا التمثال.
اقرأ أيضًا: قصة قارون: نهاية أغنى الأغنياء في التاريخ |
آصف بن برخيا
حتى إذا ما جاء صديق النبي سليمان ويدعى آصف بن برخيا إلى منزله ليرى ما لا يحمد عقباه، وهنا انطلق إلى سليمان ولكنه لم يخبره بالأمر سريعاً بل قال له أن قد بلغ من العمر عتياً وما يطلب منه إلا أن يجتمع بالناس ليعلمهم ما علمه الله، وبالفعل امتثل سليمان لرغبة آصف. وحينما اجتمع بالناس أثنى على الأنبياء السابقين ثم جاء ذكر النبي سليمان فما كان منه إلا أن قال: ما أعظم حكمك في صغرك، وما أروعك في صغرك، وما ابعدك عن كل مكروه في صغرك. ثم توقف عن الحديث.
هنا اجتمع به سليمان ليسأله عن سبب الإشادة بحكمه فقط في صغره فأخبره بما رأه من أمر زوجته. وقال له أن غير الله يعبد في بيتك منذ أربعين يوماً. فما كان من سليمان إلا أن انطلق إلى قصره حزيناً مهموماً فحطم التمثال وعاقب الزوجة، وارتدى ثيابه وانطلق إلى البرية ليتوب إلى الله ويستغفره من هذا الأمر الذي لم يكن يعلم عنه شيئاً. وكان يدرك تماماً أن الله سوف يعاقبه لهذه الفعلة.
اقرأ أيضًا: قصة النمرود: أول طاغية في التاريخ تقتله بعوضة |
إبليس يسرق خاتم سليمان
عاد إلى منزله وترك خاتمه مع ابنته كما يفعل باستمرار، ليذهب إلى الاغتسال، وفي ذلك الوقت تمثل إبليس في هيئة سليمان ليدخل على ابنته ويطلب منها الخاتم، فما كان من البنت إلا أن أعطته الخاتم. استلقى ابليس على فراش سليمان وبدأ يحكم العالم.
بعد مرور الوقت خرج النبي سليمان ليطلب خاتمه من ابنته، هنا انتابها الخوف والصدمة وصرخت في وجهه قائلة له أنه ليس النبي سليمان بل هو إبليس، وقد تمثل في هيئة النبي. حاول أن يشرح لها النبي الأمر لكنها لم تسمع له. خرج إلى الناس في المملكة وهو يصيح أنه الملك سليمان ابن داود لكن لم يصدقه أحد بل ونعتوه بالجنون والخبل. هنا أدرك سليمان أن عقاب الله قد حل عليه. وليس أمامه إلا أن يذهب ليبحث عن عمل ليحصل على قوت يومه.
العقاب
عاد إلى عمله القديم في صيد الأسماك، وكان يصطاد سمكتين أحداهما يبيعها ليشتري خبزاً والأخرى يأكلها. ظل على هذه الحال لفترة أربعين يوماً وهي عدد الأيام التي كانت زوجته تسجد لهذا التمثال في بيته. في ذلك اليوم وقع الخاتم من إبليس في الماء ولم يستطع الحصول عليه مجدداً. وفي اليوم الواحد وأربعين وحينما عاد سليمان إلى كوخه كعادته كل يوم شرع في فتح السمكة فإذا به يجد الخاتم بداخلها. علم أن الله قد رفع عنه العذاب. ثم عاد ليحكم مملكته مرة أخرى.
اقرأ أيضًا: ماذا حدث في سدوم وعمورة؟ |
تعقيب على قصة خاتم سليمان
كما ذكرنا آنفاً أن قصة خاتم سليمان وردت في العديد من مرويات الأثر إلا أن الكثير من المفسرين والعلماء أوضحوا أن هذه القصة من الإسرائيليات الدخيلة على الإسلام، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بما ذكره القرآن من قصة النبي سليمان. بينما أوضحوا أن الأحاديث العديد التي ذكرت هذه القصص أما موضوعة أو ضعيفة. لذا لا يتم التعويل عليها بأي حال من الأحوال. لذا وجب التنويه.
اقرأ أيضًا: تابوت العهد: حكاية أكثر الألغاز المحيرة في التاريخ |
إلى هنا يسدل الستار عن واحدة من القصص الخيالية التي تعج بها كتب التراث القديمة، فهذه القصة تعد من وحي الخيال. بينما قصة النبي سليمان الحقيقية فهي التي ذكرها القرآن في معرض حديثه عن هذا النبي العظيم.
المصادر:
مرآة الزمان في تواريخ الأعيان – سبط ابن الجوزي.