البحر الميت: أعجوبة في طريقها إلى الزوال

You are currently viewing البحر الميت: أعجوبة في طريقها إلى الزوال
قصة البحر الميت

البحر الميت هو أحد أكثر المسطحات المائية ملوحة على وجه الأرض، يعرف الجميع ذلك، لكن ما لا يعرفه سوى عدد قليل من الناس أنه يجف ببطء. ففي كل عام ينخفض منسوب المياه في البحر الميت بأكثر من متر. ويعود ذلك إلى سحب الكثير من المياه من نهر الأردن لاستخدامها في الزراعة والصناعة والسياحة، وحتى الاستخدامات المنزلية للأسر التي تعيش في المنطقة المحيطة. ومن المتعارف عليه أن نهر الأردن هو رافده الرئيسي، وبالتالي لا يصل اليوم إلى البحر الميت سوى جزء صغير من المياه. وإذا استمر هذا الوضع فسيتراكم الطمي على البحر الميت بالكامل خلال الخمسين عاماً المقبلة، مما يترتب على ذلك عواقب وخيمة على الناس والطبيعة والبيئة. فهل يمكن أن تحدث كارثة وشيكة؟ وهل هناك طريقة لإنقاذ البحر الميت؟ قبل الإجابة على هذه الأسئلة دعونا نتعرف في البداية على قصة البحر الميت منذ البداية.

ما هو البحر الميت؟

البحر الميت هو بحيرة دون منفذ وليس بحراً كما تشير إليه التسمية. يقع البحر الميت في وادي الأردن على الحدود بين الأردن وفلسطين. ويتكون من بحيرة كبيرة نسبياً في الشمال وبحيرة صغيرة في الجنوب تفصل بينهما شبه جزيرة اللسان الواقعة إلى الجنوب الشرقي من البحيرة. يغطي البحر الميت مساحة تبلغ حوالي 650 كيلومتر مربع ويمتد في المتوسط ​​بطول 67 كيلومتراً وعرضه حوالي 16 كيلومتراً. ويعد نهر الأردن رافده الرئيسي.

يتميز البحر الميت بأنه أحد الروافد المهمة للصناعة، وذلك نظراً لاحتوائه على عناصر هامة مثل الكالسيوم والبوتاسيوم التي يستخدمها الجانب الأردني والإسرائيلي في الصناعة. أما بالنسبة للمجال السياحي فهو أحد أشهر الوجهات السياحية الترفيهية والعلاجية في العالم. حيث تتميز مياهه شديدة الملوحة بقدرتها الفائقة على الشفاء من الأمراض.

لكن لا يتوقف الأمر على مياهه فحسب، بل هناك الكثير من المعالم السياحية التاريخية والدينية التي ميزت هذه المنطقة مثل كهف لوط الذي لجأ إليه النبي لوط وبناته بعد أن نزل عذاب الله على قومه. علاوة على وجود مدينتي سدوم وعمورة اللاتي تعرضن للخسف، وهما المدينتان اللتان ذكرتا في التوراة. يوجد كذلك خربة قمران التي ذاع صيتها بعد اكتشاف مخطوطات البحر الميت في كهوفها.

البحر الميت بالأرقام

الموقع الأردن.
المساحة 650 كيلومتر مربع.
الطول 67 كيلومتر.
العرض 16 كيلومتر.
الارتفاع 417 متر تحت مستوى سطح البحر.
أقصى عمق 316 متر.
كمية المياه حوالي 130 مليار متر مربع.
الملوحة 340 جرام/ لتر.
تساقط الأمطار 25 – 50 ملم/ سنة.
الروافد 29.
المصب الرئيسي نهر الأردن.
المصارف لا يوجد.
السكان (حول البحيرة) 30.000 نسمة.

 

لماذا سمي البحر الميت بهذا الاسم؟

لماذا سمي البحر الميت بهذا الاسم
شكل البحر الميت

سمي البحر الميت بهذا الاسم نظراً لمحتواه العالي من الأملاح المعدنية. حيث تزيد نسبه ملوحة مياهه عن 30% من ملوحة جميع البحار والمحيطات في جميع أنحاء الكرة الأرضية. هذه الملوحة الشديد جعلت منه بيئة طاردة لشتى أنواع الكائنات الحية، فلا يعيش فيه حيوانات بحرية أو نباتات، على الرغم من وجود بعض الطحالب الخضراء والبكتيريا العتيقة الحمراء التي تتحمل هذه الملوحة.

لكن لم تكن هذه هي التسمية الوحيدة لهذه العجيبة الخلابة. فلقد حصل على مدار التاريخ على العديد من المسميات الأخرى. حيث أطلق عليه بحر لوط نظراً لارتباطه بقصة قوم لوط. وبحر سدوم لارتباطه أيضاً بمدينة سدوم. وكذلك سمي باسم بحر الملح، وبحر العربة وغيرها من المسميات التاريخية. والجدير بالذكر أن البحر الميت هو أدنى نقطة على مستوى سطح الأرض، فعمقه يبلغ أكثر من 300 متراً تحت مستوى سطح البحر. لكن برغم عمقه الشديد يمكن للمرء أن يطفو فيه دون أن يغرق.

كيف تكون البحر الميت؟

تشكل البحر الميت
تشكل البحر الميت على مدار السنين

يقع البحر الميت في منخفض كبير وسط بيئة صحراوية مقفرة. يبلغ مستوى المياه في المياه الداخلية 417 متراً تحت سطح البحر. بينما تقع المنطقة المحيطة به بين جبال الموآبية التي يبلغ ارتفاعها 1285 متراً في الشرق، وجبال الخليل في الغرب، والتي يصل ارتفاعها إلى 1000 متراً، وتتميز بمناخ جاف وحار جداً. حيث يسقط عليها ما بين 25 إلى 50 ملم فقط من الأمطار كل عام.

كانت جيولوجيا الأرض مختلفة تماماً في تلك المنطقة قبل 1.5 مليون سنة. ففي ذلك الوقت كانت المنطقة مغطاة بالكامل بمحيط كبير. وخلال زلزال شديد، تم رفع مناطق كبيرة من المحيط سابقاً ونشأ وادي الأردن المتصدع نتيجة لانجراف صفيحتين من الغلاف الصخري. ثم تجمعت مياه الأمطار والفيضانات في المناطق السفلية من البر الرئيسي الجديد، وظهرت بحيرات جديدة على مدى آلاف السنين، لكنها اختفت مرة أخرى بنفس السرعة عندما تغيرت الظروف الجيولوجية والمناخية[1].

الكوارث الطبيعية

كانت آخر هذه البحيرات الكبرى هي بحيرة لسان التي امتدت من وادي العربة جنوباً إلى بحيرة طبرية شمالاً منذ حوالي 12.0000 إلى 15.000 سنة مضت. وسرعان ما امتلأت بالطمي بالكامل، ولم يتبق منها سوى ما يعرف الآن بالبحر الميت. لكن القوى الهائلة داخل الأرض لم تهدأ بعد في المنطقة المحيطة به، وفي حوض الأردن بأكمله. حيث تتحرك الصفائح الأفريقية والآسيوية أمام بعضها البعض بسرعة تبلغ حوالي أربع ملليمترات في السنة.

وليس غريباً أن هذه المنطقة تعرضت مراراً وتكراراً للزلازل العنيفة في القرون الأخيرة. ويعود تاريخ آخر زلزال إلى عام 1997 وبلغت قوته 5.6 درجة. وبسبب مثل هذه الكوارث الطبيعية، تحول البحر الميت مؤخرا إلى ملعب لعلماء الجيولوجيا للتحقيق في بنية القشرة الأرضية والظروف الجيوديناميكية لنظام صدع البحر الميت[2]. فنظام صدع البحر الميت مثير للاهتمام بشكل خاص لأنه جزء من الصدع السوري – شرقي الأفريقي الذي يبلغ طوله 6500 كيلومتر، ويعمل كحلقة وصل إلى سلسلة جبال الألب – الهيمالايا وصدع شمال الأناضول.

البحر الميت وخطر الزوال

مشكلات البحر الميت
جفاف البحر الميت

يواجه البحر الميت أوقاتاً عصيباً. ولا يقتصر ذلك على ارتفاع المسطح المائي شديد الملوحة على أكثر من 400 متر تحت مستوى سطح البحر، بل لأنه يقع أيضاً في المنطقة الحدودية بين إسرائيل والأردن والضفة الغربية، وبالتالي فهو في قلب الصراع السياسي والعسكري الفلسطيني الإسرائيلي. ولكن هذا ليس كل شيء، فسنة بعد سنة، يتدفق الآلاف من السياح إلى شواطئه لقضاء العطلات، أو العلاج من أمراض مختلفة في مناخ محلي خاص. مما أدى إلى ظهور عالم من المنتجعات الصحية الحديثة والفنادق وغيرها في العقود الأخيرة.

هذا التطور السريع وما يرتبط به من دخل من العملات الأجنبية في البلدان المطلة على البحر الميت يجلب لها الكثير من المزايا الاستثمارية. ولكن في المقابل نجد جبال من القمامة، وتدمير المناظر الطبيعية بسبب طفرة البناء التي لا يمكن إيقافها. علاوة على استخدام كميات هائلة من المياه العذبة لتزويد السياح. لكن المياه نادرة في حوض الأردن. وتعتمد الصناعة والزراعة بشكل أكبر على مصادر المياه العذبة القليلة في المنطقة مقارنة بصناعة السياحة. وبغض النظر عن الخسائر، يتم استغلال مياه نهر الأردن وروافده القليلة لري الحقول أو استخراج المعادن المفيدة صناعياً.

جفاف البحر الميت

إن ما تبقى من إمكانات المياه السنوية في نهر الأردن، والتي لا تزال تتدفق إلى البحر الميت، لم يعد كافياً لإبقاء البحيرة على قيد الحياة. ولا عجب أن ينخفض ​​منسوب المياه في البحر الداخلي بأكثر من متر كل عام. بينما يمنح علماء البيئة البحر الميت 50 عاماً فقط حتى تجف هذه البحيرة العجيبة تماماً. واليوم يبدأ رحلته في التحول من بحيرة مالحة إلى بحيرة الرملية، ولا يواجه خطر فقدان جاذبيته للسياحة فحسب، بل يتم أيضاً فقدان الموائل المهمة للنباتات والحيوانات الفريدة في المنطقة[3].

وعلى الرغم من أن المنظمات البيئية مثل أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط وصندوق الطبيعة العالمي كانت تلفت الانتباه إلى الوضع الخطير منذ سنوات، إلا أن السياسيين في المنطقة لم يجتمعوا إلا قبل وقت قصير من انعقاد القمة العالمية للتنمية المستدامة في جوهانسبرغ لاتخاذ تدابير ملموسة لإنقاذ البحر الميت من خطر الزوال.

كارثة من صنع الإنسان

وادي الأردن
شكل البحر الميت بعد الكوارث البشرية

إن الأودية العديدة وخاصة نهر الأردن وروافده تزود البحر الميت بالمياه العذبة والرواسب. ونظراً لعدم وجود منفذ للمياه الداخلية، فقد تطور مع مرور الوقت ليصبح مستودعاً ضخماً للمعادن والسموم، وبقايا الصخور وحبوب اللقاح، وبالتالي يلعب دوراً مهماً كأرشيف مناخي. لذا فليس من المستغرب على الإطلاق أن يكون الآن أحد أكثر المسطحات المائية ملوحة على وجه الأرض. ويضمن المناخ الجاف والإشعاع الشمسي الشديد أن أجزاء كبيرة من المياه العذبة التي يتم توصيلها عبر الأنهار تتبخر مرة أخرى في وقت قصير جداً ولا يبق سوى المعادن والأملاح. لذا نجد أن محتوى الملح في البحر الميت أعلى بعشر مرات من محتوى البحر الأبيض المتوسط. ويمكن العثور فيه على المغنيسيوم والبوتاسيوم والبروميدات.

انخفاض مستوى المياه

يجعل كذلك الطين الجيري الذي يترسب في نهر الأردن الماء زيتياً قليلاً ويعطيه طعماً مراً. ومن الآثار الجانبية الغريبة للمحتوى العالي من الملح الطفو عند السباحة في البحر الميت بحيث يصعب الغرق. وبعد عقود من التقلبات البسيطة في مستوى المياه فيه، تغير الوضع عند أدنى نقطة قارية على وجه الأرض بشكل كبير في السنوات العشرين الماضية. لقد فقد البحر الميت أكثر من ثلث حجمه السابق في هذه الفترة القصيرة من الزمن. وكما وجد علماء من هيئة المسح الجيولوجي الإسرائيلية ومنظمة أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط البيئية، فإن مستوى المياه فيه ينخفض ​​بأكثر من متر كل عام منذ بعض الوقت[4].

وفي حين كان سطح البحر الميت 389 متراً تحت مستوى سطح البحر في بداية القرن العشرين، فقد انخفض إلى -417 متراً في الثلاثين عاماً الماضية، لدرجة أن الفنادق التي كانت تعلن أن موقعها على الواجهة البحرية أصبحت الآن على بعد عدة مئات من الأمتار. وإذا استمرت هذا الأمر على ذلك النحو فقد يجف بالكامل بحلول عام 2050. وبالإضافة إلى التبخر الطبيعي المرتفع بسبب المناخ، فإن الإنسان هو المسؤول الأول عن هذه الكارثة. حيث يصل الآن حوالي عشرة بالمائة فقط من الكتل المائية السابقة إلى البحر الميت عبر الأنهار والوديان. كما انخفضت مدخلات المياه عبر السطح إلى جزء صغير من قيمها السابقة. أما الباقي فيتم استنزافه لصالح الصناعة والزراعة المروية والأسر الخاصة في الأردن وفلسطين وإسرائيل.

السياحة في البحر الميت

السياحة في البحر الميت
المنتجعات السياحية على البحر الميت

تعتبر منطقة البحر الميت من أهم المناطق السياحية في العالم. وقد زارها حوالي نصف مليون سائح في عام 1999 وحده. بينما تضاعف عدد الزوار خلال ثلاث سنوات. يأتي الكثير من السياح إلى هذه المنطقة ليستكشفوا تاريخ المنطقة الزاخر. حيث يمكنهم زيارة المواقع القديمة[5] مثل موقع الملك هيرودس الذي يعود تاريخه إلى عام 35 قبل الميلاد، ومغطس المسيح الأثري، وربما زيارة أقدم مدينة في العالم: أريحا. وهناك من يرغب في زيارة كهوف قمران، موقع اكتشاف مخطوطات البحر الميت الشهيرة، أو زيارة موقع سدوم وعمورة الذي يقال إن زوجة النبي لوط تحولت فيه إلى عمود ملح.

لكن رغم ذلك، فإن العديد من السياح الذين يأتون إلى هناك لا تحفزهم روح الاكتشاف بقدر ما تدفعهم إلى تخفيف أمراض مثل الصدفية أو التهاب الجلد العصبي أو الربو. لقد عرف الرومان بالفعل التأثيرات العلاجية المفترضة لهذه المياه الخاصة. وفي عهد الاحتلال المصري للمدينة، حصلت الملكة المصرية كليوباترا على الحق الحصري في إنشاء مصانع لتصنيع مستحضرات التجميل والأدوية في المنطقة[6]. كما تحدث أرسطو عن الآثار المفيدة للبقاء في هذا المسطح المائي، كما فعل الرهبان الأرثوذكس اليونانيون لاحقاً.

الخصائص العلاجية للبحر الميت

الخصائص العلاجية للبحر الميت
بعض السياح يضعون طمي البحر الميت للعلاج

جاء العديد من المستكشفين والعلماء المعاصرين إلى البحر الميت في العقود الأخيرة لدراسة التأثيرات الملموسة له على صحة الإنسان، واكتشاف خصائصه العلاجية. وقد توصلوا إلى أن الماء نفسه يتميز باحتوائه على نسبة عالية بشكل خاص من المعادن مثل الكالسيوم والمغنيسيوم وكلوريد البوتاسيوم والبروميدات، وبالتالي له تأثير مهدئ ومعالج للأمراض الجلدية، من بين العديد من الأمراض الأخرى. علاوة على ذلك، فإن الهواء في المسطحات المائية الأكثر ملوحة على وجه الأرض يحتوي على أكسجين أكثر بكثير مما هو عليه في الظروف العادية، مما يجعل التنفس أسهل بكثير. كما تسبب درجات الحرارة المرتفعة في البحر الميت تبخراً كبيراً لمياه البحر، مما يؤدي إلى إذابة العديد من البروميدات، والتي لها تأثير مريح على الجهاز العصبي[7].

تشرق الشمس على البحر الميت وأهله 330 يوماً في السنة، وحتى مع ثقب الأوزون، فإن حمامات الشمس هناك أكثر صحة من أي مكان آخر على وجه الأرض. كما يقوم الضباب أيضاً بتصفية أجزاء كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. وبينما أثبتت الدراسات الطبية هذه التأثيرات وغيرها على مرضى الجلد أو الرئة، فإن الوضع مختلف تماماً مع العديد من المنتجات الصيدلانية والتجميلية التي تعتمد على المعادن والأملاح العلاجية المأخوذة من المياه الداخلية للبحر الميت. وقد أصبحت تجارة هذه المنتجات نشطة في جميع أنحاء العالم. ونجحت صناعة الأدوية، وكذلك جمعيات الصيادلة ومستحضرات التجميل الطبيعية ومنتجات العناية الطبيعية، في جذب العملاء بشعارات مثل “احصل على البحر الميت في حوض الاستحمام الخاص بك”.

الحرب على المياه

حروب المياه
أزمة المياه في الشرق الأوسط

أدى وجود البحر الميت في الأردن إلى تنشيط السياحة. ولا عجب أنه في العقود الأخيرة، ظهرت الفنادق ودور الضيافة والمطاعم والمراكز الصحية وما إلى ذلك. لكن كل هذا الضجيج في صناعة السياحة يجلب شيئاً واحداً قبل كل شيء: الحاجة الكبيرة إلى المياه العذبة. يشير خبراء السياحة إلى أن كل سائح يستخدم ما يصل إلى 350 لتراً من مياه الشرب يومياً. هل تتخيل كمية المياه العذبة التي يحتاجها أكثر من 500000 زائر سنوياً. ولكن من أين يجب أن تأتي المياه غير نهر الأردن.

إن المياه نادرة في الشرق الأوسط، وخاصةً في حوض الأردن. ففي عام 1995 كانت الأردن وإسرائيل من بين الدول العشرين التي لديها أدنى مستويات توافر المياه في العالم، بواقع 318 و389 متراً مكعباً من المياه لكل فرد سنوياً. وتقتصر الموارد المائية الدولية في حوض نهر الأردن، الذي تتقاسمه الأردن وسوريا ولبنان وإسرائيل وفلسطين، في المقام الأول على نهر الأردن نفسه مع رافده الأكثر أهمية: نهر اليرموك. علاوة على بعض الطبقات الصخرية الموصلة للمياه الجوفية والتي تسمى طبقات المياه الجوفية.

تحظى الموارد المائية في حوض الأردن بأهمية استثنائية بسبب الصراعات السياسية الخطيرة بين الإسرائيليين والعرب فيما يتعلق بتأسيس دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، وقضية فلسطين التي لا تزال دون حل. ولذلك فإن الصراع على المياه قديم قدم الأرض نفسها، بل وتكررت الاشتباكات العسكرية حول توزيع المياه. وحتى اليوم، لا تزال الحرب على المياه مسلطة على هذه المنطقة.

البحر الميت يموت

ومن المؤكد أن هذا يرجع أيضاً إلى حقيقة أن إسرائيل تستخدم أجزاء كبيرة من مياه الأردن وروافده لأغراضها الخاصة. ومنذ الانتهاء من بناء طبقة مياه جوفية عملاقة (ناقل المياه الوطني) من أعالي الأردن إلى صحراء النقب، قامت إسرائيل باستغلال مياه النهر على نطاق واسع. لذا يتم ضخ أكثر من 500 مليون متر مكعب سنوياً من بحيرة طبرية وحدها. ومع تدفق مياه سنوي يبلغ 1200 مليون متر مكعب، لم يبق أي شيء تقريباً للجيران الآخرين.

وتُستخدم مياه بحيرة طبريا في المقام الأول لري البساتين والحقول وإمداد المدن الكبيرة. وبما أن سوريا (السدود في منطقة منابع نهر اليرموك) والأردن (استخراج المياه جنوب ملتقى نهري الأردن واليرموك) تستخدمان أيضاً المياه الثمينة في مشاريعهما الخاصة، ففي النهاية لا يوجد سوى 200 مليون متر مكعب فقط من المياه الثمينة. كذلك تُستخدم كميات كبيرة من المياه العذبة ومياه البحر بالإضافة إلى الطاقة الموجودة في جنوب البحيرة لاستخراج المعادن العلاجية مثل البوتاس والملح والمغنيسيوم والبروم، لذا فالبحر الميت يفقد المزيد من المياه. وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً التبخر الطبيعي وانخفاض كميات الأمطار في المنطقة، فإن التوازن المائي في البحر الميت كارثي[8].

غرق اليابسة

قام فريق بحث إسرائيلي أمريكي بقيادة جدعون باير من معهد الأبحاث الجيولوجية في القدس، بتحليل صور الأقمار الصناعية الأوروبية، وتوصل إلى أن الأرض في المنطقة تغرق بمعدل 20 ملم سنوياً في عدة أماكن. بينما أظهرت دراسات العلماء باستخدام رادار الفتحة الاصطناعية التداخلية أن كتل اليابسة غرقت بما يصل إلى 60 ملم في السنة. وقد تسببت هذه الهياكل المسطحة الشبيهة بالثقوب في مشاكل هائلة على ساحل البحر الميت منذ ذلك الحين. بينما خلال فترة الدراسة التي دامت ست سنوات تقريباً، اكتشف العلماء أن بالتوازي مع الهبوط الأرضي، لم ينخفض ​​منسوب مياه البحيرة فحسب، بل انخفض أيضاً منسوب المياه الجوفية في المنطقة بأكثر من ستة أمتار.

التنوع البيولوجي

الحياة البرية في الأردن
مجموعة مذهلة من الحياة البرية في حوض نهر الأردن

يشتهر البحر الميت بالتنوع الطبيعي فيما يخص النباتات والحيوانات. حيث توجد به أنواع خاصة جداً من النباتات والحيوانات التي استقرت في هذه المنطقة على مدى آلاف السنين. ولا يمكن العثور على مثلها في أي مكان آخر في العالم. ولكن إذا كان هناك الكثير من الحيوانات هناك، فلماذا يسمى البحر الميت بالبحر الميت؟

من المؤكد أن مياه البحيرة ترقى إلى مستوى اسمها. حيث تمكن عدد قليل فقط من الكائنات الحية من الحصول على موطئ قدم في البحر الميت نفسه. هذه الكائنات الحية لديها قدرة عالية على تحمل الملوحة لدرجة أنهم يستطيعون البقاء حتى في الظروف القاسية للمياه الأكثر ملوحة على وجه الأرض. وبصرف النظر عن هذه الطحالب الخضراء والبكتيريا العتيقة الحمراء، فإن المياه الداخلية هي صحراء بيئية[9].

مجموعة مذهلة من الكائنات الحية

لكن مع مرور الوقت، ظهرت بيئات حيوية غريبة حول البحيرة. تعد هذه البيئات موطناً لمجموعة متنوعة مذهلة من الكائنات الحية. فالفهود والضباع والخفافيش والذئاب العربية والعديد من الحيوانات النادرة أو المهددة بالانقراض تسكن المناطق القريبة من ينابيع المياه العذبة والواحات القريبة. بينما أحصى علماء الحيوان من منظمة أصدقاء الأرض البيئية ما مجموعه 25 نوعاً مختلفاً من الزواحف والبرمائيات، و24 نوعاً مختلفاً من الثدييات، وستة أنواع من الأسماك في المنطقة. كما تشتمل بعض هذه الأنواع على “عصفور البحر الميت” الذي لا يوجد إلا في هذه المنطقة من العالم[10].

الطيور المهاجرة

يعد البحر الميت أيضاً نقطة التقاء مهمة لمختلف طرق الطيور المهاجرة. وبالتالي ليس من المستغرب أن يوجد 90 نوعاً مختلفاً من الطيور في المنطقة. طيور مثل طائر مالك الحزين والنسور والوقواق وغيرها تقدم المساعدة لبعضها البعض في طريقهم من أوروبا إلى أفريقيا والعودة مجدداً. والعديد من الأراضي الرطبة والمستنقعات المحيطة بالبحيرة ليست مجرد أماكن للراحة، ولكنها أيضاً مناطق تكاثر حقيقية للطيور المحلية.

ولكن ليست الحيوانات فقط هي التي لديها الكثير لتقدمه في قلب حوض الأردن، بل إن ما يقرب من 500 نوع من النباتات المختلفة قد وجدت أيضاً مكانتها البيئية الخاصة حول البحر وفي واحات مثل عين جدي. ومع ذلك، فإن هذا التنوع المذهل مهدد الآن. فالتلوث البيئي الناجم عن المبيدات الحشرية أو مياه الصرف الصناعي، والصيد، وازدهار البناء الذي لا يمكن السيطرة عليه، والسدود والزراعة المكثفة يعرض هذا التنوع للخطر ويدمر الموائل الفريدة. وقد تسبب بالفعل في هجرة العديد من الحيوانات من المنطقة. وعلى وجه الخصوص، يؤثر استخراج المعادن الصناعية في جنوب البحر الميت أيضاً على التوازن البيولوجي للبحيرة ويعرض الحيوانات والنباتات التي تعيش في مناطق الشاطئ للخطر.

المراجع

[1] Geology and Evolution of the Southern Dead Sea Fault with Emphasis on Subsurface Structure.

[2] Landscape Evolution along the Dead Sea Fault and its Margins.

[3] GIVING THE DEAD SEA A NEW LIFE.

[4] Dead Sea: Decreasing water levels.

[5] Discover fascinating history of the Dead Sea area, solve ancient mysteries and find amazing places to visit.

[6] How ancient Egyptian cosmetics influenced our beauty rituals.

[7] Scientific evidence of the therapeutic effects of dead sea treatments: a systematic review.

[8] Coping with Water Scarcity in the Jordan River Basin.

[9] Microalgae and cyanobacteria of the Dead Sea and its surrounding springs.

[10] Reptiles and Amphibians in Dibbeen Nature Reserve, Jordan.

This Post Has 4 Comments

  1. غير معروف

    يقال في التوراة ان الله حول امرأة لوط العمود ملح. فممكن ان يكون البحر الميت تحول نتيجة لذلك

    1. وائل الشيمي

      لا علاقة لهذا بذاك، وقد أثبتت ذلك الأبحاث العلمية

  2. غير معروف

    يا ليت قومي يعلمون

    1. وائل الشيمي

      يجب التكالف من الأفراد والحكومات حتى لا يتفاقم الوضع

اترك تعليقاً