فلسفة

الذاتية في الفلسفة: مرآة الإنسان في مواجهة الحقيقة

تكشف الذاتية في الفلسفة الستار عن حقيقة مذهلة هي أن الواقع ليس أكثر من مرآة تعكس انحناءات ذواتنا، وأن كل ما نراه، أو نلمسه، أو نؤمن به، إنما هو نتاج عدسة ذاتية صُنعت بعناية من إدراكنا ومشاعرنا. الذاتية ليست مجرد فلسفة؛ إنها سردية للإنسان في مواجهته المستمرة مع الكون، حيث تتحول الحقائق الصلبة إلى أنغام تتغير مع كل نظرة وكل تجربة. دعونا نتعرف على الذاتية في الفلسفة بشكل أكثر تفصيلًا.

ماذا تعني الذاتية؟

الذاتية هي الفرع الفلسفي الذي يعتبر أن الحقيقة تعتمد في المقام الأول على الفردية العقلية والمادية للذات، والتي تتسم بالتغير المستمر وعدم الوصول إلى أي حقيقة مطلقة أو شاملة.

الذاتية هي مذهب فلسفي ينص على أن كل معرفة تعتمد على الفرد. وما يبدو في البداية أحكامًا موضوعية بالنسبة للفرد، يكون كذلك فقط بالنسبة له. بمعنى أن الأحكام قد تكون صادقة أو كاذبة بغض النظر عما نعتقده أو نأمله أو نريده. ولكن وفقًا لهذا المذهب، يعتمد صدقها فقط على كيفية رؤيتنا للواقع.

يمكن أن يكون الشخص ذاتيًا إذا تعامل مع الأحكام الخارجية – على الرغم من مظاهرها – وكأنها أحكام تتعلق بمواقفه أو معتقداته أو عواطفه، وما إلى ذلك. كما يمكن للشخص أن ينكر أن تكون تلك الأحكام صادقة أو كاذبة، مدعيًا أنها أوامر أو تعبيرات عن مواقف مستترة. نجد في الأخلاق على سبيل المثال، أن المفهوم الذاتي من النوع الثاني المعروف باسم الانفعالية يؤكد على أن الأحكام الأخلاقية ليست سوى تعبيرات عن مواقفنا الإيجابية والسلبية. كذلك النظريات التي تجعل الأخلاق مسألة اتفاقيات – بناءً على ما نتفق عليه أو ما توافق عليه غالبية الناس – يمكن اعتبارها نظريات ذاتية من النوع الأول.

من المهم توضيح أن الذاتية ليست مقتصرة على الأخلاقيات فقط. ففي التصور الذاتي للعقلانية، تكون معايير الاعتقاد العقلاني هي تلك المعايير التي يوافق عليها الفرد – أو ربما غالبية أفراد المجتمع الذي ينتمي إليه ذلك الفرد – بشرط أن يكونوا مهتمين بتصديق الافتراضات الصحيحة وتجنب تصديق الافتراضات الخاطئة. وعلى النقيض من ذلك، تهتم المذاهب الأخلاقية بتوفير أكبر قدر من المنفعة للأفعال الفردية أو الاجتماعية التي تعود بالنفع على المجتمع أو الفرد. ونتذكر أن الهدف منها هو ضمان حقوق الفرد وواجباته وصلاحياته داخل المجتمع.

المفاهيم الأساسية للذاتية

الذاتية في الفلسفة
مفاهيم الذاتية

تشير الذاتية في الفلسفة إلى أن ما نعتبره حقيقيًا أو ذا قيمة يعتمد على الإدراك، والمشاعر، والمعتقدات، والتجارب الشخصية. وتؤكد الذاتية في أكثر أشكالها تطرفًا، أنه لا توجد حقائق موضوعية على الإطلاق؛ فكل ما نعرفه أو نؤمن به يمر عبر عدسة ذاتيتنا.

  1. الذاتية الأخلاقية

    تؤكد الذاتية في الأخلاقيات على أن الأحكام الأخلاقية تعبر عن مواقف أو مشاعر شخصية. وأنه لا توجد حقيقة أخلاقية موضوعية. على سبيل المثال، القول بأن “القتل خطأ” لا يعدو كونه تعبيرًا عن رفض شخصي أو ثقافي لفعل القتل، وليس حقيقة عالمية.

  2. الذاتية المعرفية

    ترى الذاتية المعرفية أن المعرفة والحقيقة يعتمدان على الذات العارفة. قد تختلف صحة الاقتراح من شخص لآخر بناءً على إدراكه أو تفسيره الخاص.

  3. الذاتية الجمالية

    تؤكد الذاتية في مجال الفن والجمال على أن الجمال في عين الناظر. لا توجد معايير موضوعية لتحديد ما هو الفن أو ما هو جميل؛ كل ذلك يعتمد على التقدير الفردي.

تأثيرات الذاتية

شرح الفلسفة ببساطة
الأثر والتأثير
  • النسبية الثقافية

    يمكن أن تقود الذاتية إلى النسبية. حيث تصبح المعايير والقيم نسبية للثقافة أو المجتمع الذي تنبثق منه، دون إمكانية الحكم على أي ثقافة بأنها أفضل أو أسوأ من منظور خارجي.

  • التحديات في التواصل والنقاش

    إذا كانت كل الحقائق ذاتية، فقد يصبح من الصعب حل النقاشات أو الوصول إلى توافق. حيث لا توجد قاعدة مشتركة للحقيقة الموضوعية يمكن البناء عليها.

  • الحرية الشخصية

    يمكن اعتبار الذاتية احتفاءً بتنوع التجارب البشرية ودفاعًا عن الحرية الفردية لتعريف الحقيقة والقيم الخاصة بالفرد.

انتقادات الذاتية

تبسيط الفلسفة
نقد الذاتية
  • التناقض الداخلي

    يرى النقاد أن الذاتية، حينما تؤكد أنه لا توجد حقائق موضوعية، تناقض نفسها، لأن هذا الادعاء ذاته يفترض أنه حقيقة موضوعية.

  • المشكلات العملية

    يمكن أن تؤدي الذاتية في الحياة اليومية إلى غياب المسؤولية الأخلاقية أو الفكرية. حيث يمكن تبرير أي رأي أو تصرف باعتباره “حقيقتي الشخصية”.

  • تحدي العلم

    تعتمد العلوم على السعي وراء الحقائق الموضوعية. وتشكل الذاتية، خاصة في شكلها المعرفي، تحديًا لإمكانية تحقيق معرفة علمية موضوعية.

الخلاصة

تفتح الذاتية نقاشًا عميقًا حول طبيعة الواقع والمعرفة والأخلاق. وبينما تقدم رؤية تُقدر الفردية والتجربة الشخصية، فإنها تطرح أيضًا تحديات كبيرة لكيفية فهمنا وإدارتنا للحقيقة، والأخلاقيات، والجماليات في عالم معقد ومتنوع. وكما هو الحال مع جميع المواقف الفلسفية، تدعونا الذاتية إلى التأمل النقدي في معتقداتنا الخاصة وكيفية تعاملنا مع العالم من حولنا.

تضعنا الذاتية أمام سؤال عميق: إذا كانت الحقيقة انعكاسًا لذواتنا، فكيف نلتقي كأفراد وسط هذا التباين اللامتناهي؟ بين الفوضى والتناغم، بين الوحدة والتنوع، تقف الذاتية كتذكير دائم بأن الإنسان، في جوهره، هو خالق ومعيد خلق الحقيقة التي يعيشها.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!