فن

الحلقة العاشرة من مسلسل Dekalog: “لا تشته ممتلكات قريبك”

مسلسل Dekalog أو الوصايا العشر هي سلسلة أفلام درامية من إخراج المخرج البولندي العظيم كريستوف كيسلوفسكي، وهي عبارة عن نسيج متشابك رائع من الفلسفة، والتردد الأخلاقي، والشعور الإنساني الذي يجسد تفوق وقوة التعبير السينمائي على الكلمة المكتوبة. في السطور التالية نسجل ما ينتج عن تجربة هذه التحفة. ونقول تجربتها لأن أفلام كيسلوفسكي لا تُرى بل يتم تجربتها؛ فإلى تجربة الحلقة العاشرة من سلسلة Dekalog بمزيد من التفصيل.

الحلقة العاشرة

تتمحور الحلقة العاشرة والأخيرة من سلسلة Dekalog حول الوصية العاشرة “لا تشته ممتلكات قريبك”. وتشكل هذه الحلقة بالذات خروجاً عن النغمة والأسلوب العام لبقية حلقات السلسلة. فهي عبارة عن كوميديا سوداء – إذا جاز لنا القول – وتشتمل لأول مرة على نظرة خارجية عن انحطاط المجتمع البولندي في ذلك الوقت. وربما لهذا السبب لا يظهر الشاهد – الملاك – الذي يظهر بصمت في جميع الحلقات الأخرى.


القصة

تدور أحداث الحلقة العاشرة من مسلسل Dekalog حول شقيقين بالغين، يعانيان من ظروفهما المادية البائسة. الأخ الأكبر يدعى جيرسي وهو رجل عائلة من الطبقة الدنيا عاطل عن العمل، والأخ الأصغر يدعى أرتور وهو مغني موسيقى الروك الذي يشترك مع فرقة تسمى “موت المدينة”. يعلم الشقيقان بموت والدهما المنعزل الذي ابتعدا عنهما منذ سنوات. وعليهما حضور جنازته وإنهاء شؤونه. لم يتقابل الشقيقان منذ عامين، وكانت وفاة والدهما فرصة ليجتمعا معاً من جديد.

كان والدهما مهووساً بجمع الطوابع. وعندما ذهب الشقيقان لشقة والدهما المكونة من غرفة واحدة شرعا في التساؤل عما إذا كانت مجموعة الطوابع الخاصة بوالدهما ستمنحهما قدر كبير من المال أم لا. لذا ذهبا للتشاور مع صديق لوالدهما يهوى جمع الطوابع. يخبرهما الرجل أن هذه المجموعة قد تصل قيمتها إلى ما يقرب من مائة ألف دولار. تصيبهما صدمة شديدة عندما يسمعا هذا الرقم، ويؤدي ذلك بهما إلى منحدر زلق من الجشع وانعدام الثقة المتبادل في نهاية المطاف.

يبدأ الشقيقان في التعرف على مجتمع الطوابع وتجاره من أجل بيع المجموعة الخاصة بوالدهما. لكن كل شخص يتقابلون معه يحاول خداعهما للحصول على ثروتهم المحتملة. ومع ذلك لا مفر من التعامل مع هذه الشخصيات وعقد الصفقات معهم لإتمام عملية البيع. تقودهما رحلتهما إلى تاجر طوابع، يطلب منهما تحليل دم. ثم يعقد معهما صفقة في مقابل الحصول على الطابع المفقود من المجموعة أن يتبرع الأخ الأكبر بكليته لابنة التاجر المريضة. ونظراً للمبلغ الكبير الذي سيحصل عليه الشقيقان بعد استكمال مجموعة الطوابع وبيعها يوافق الأخ الأكبر على التبرع بكليته، وعندما يخرج من جيرسي من العملية يجد الشقيقان أن محتويات شقة والدهما سُرقت بالكامل.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم Stalker: رحلة إلى عالم الإنسان المجهول

استعارات رمزية

مراجعة الحلقة العاشرة من مسلسل Dekalog
مشهد من الحلقة الأخيرة

تنطوي الحلقة العاشرة من مسلسل Dekalog على العديد من التقلبات مع تطور القصة التي يعيشها الأخوان البائسان في سعيهما إلى أن يصبحا ثريين، ومن ثم تصبح هذه الأحداث بمثابة استعارة للفساد المتفشي وفقدان الإيمان السائد في بولندا في أيام احتضار الدكتاتورية الشيوعية. بينما تعتبر كلمات أرتور الرائعة لموسيقى الروك مثالية لذلك الأمر. حيث تمثل هذه الأناشيد التي يفترض أنها تعبر عن تطلعات الشباب في ذلك الوقت كلاماً تافهاً تدعو فيه إلى الجشع، والنهب، والرضا الذاتي على حساب الآخرين. وحتى أرتور نفسه لا يصدق رسالة هذه الكلمات، ومع ذلك فإن الفتيات معجبات به بسببها.

إن بنية قصة الحلقة العاشرة من مسلسل Dekalog أكثر تعقيداً مما تبدو عليه للوهلة الأولى. فعند الفحص الدقيق للعناصر الأساسية في الحلقة الأخيرة يمكننا أن نجد بعض الاستعارات الرمزية حول الرغبة في التملك فقط لغرض التملك نفسه كما أشار بذلك أرتور في حديثه مع أخيه عن والدهما. يمكن لهذه الرغبة أن تنتشر في حياة المرء كالمرض المزمن، بحيث تجبره على الانغلاق على ذاته. لكن كيسلوفسكي لا يحب لعب دور رجل الأخلاق. فهو يريد أن يكون شاهداً، ويحاول جاهداً أن يجري تحقيقاً دقيقاً حول أحداث بشرية لا يمكن التنبؤ بها، ولكنه لا يدعي أنه يتصرف كقاضي أعلى كبديل للسلطة الإلهية.

هناك أيضاً مسألة عامة تتعلق بما له قيمة حقيقية. فالطوابع هي مجرد قطع ورق قديمة ليس لها أي فائدة جوهرية. ولن تكون لها قيمة إلا إذا اعتقد الآخرون في لعبة التداول أنه يمكن بيعها إلى متداولين آخرين. لكن ليس لدى الأخوين أي فكرة عن كيفية عمل لعبة التداول هذه، ولا أمل لهما في الفوز فيها، خاصة عندما يكون هناك تواطؤ وغش ونشاط إجرامي واسع النطاق متأصل في جوهرها.

اقرأ أيضًا: تحليل فيلم The Double Life of Véronique: لغز يُشبه الحياة

نهاية أعظم السلاسل على الإطلاق

نهاية واحدة من أعظم المسلسلات على الإطلاق. قصة تراجيدية ومتناقضة حول الرغبة في التملك في حد ذاتها، والتي تنطوي على وجود هادئ لأخوين تحركا للتصرف بطريقة حمقاء ضد إرادة والدهما من خلال الينابيع الخفية للأفعال البشرية.

يقدم لنا كيسلوفسكي في هذه الحلقة النهائية مزيجاً غنياً من روح الدعابة المرحة. ويجعلنا ندرك ضرورة تنفس الصعداء في نهاية ملحمته الإنسانية. وربما يحب أن يودعنا بابتسامة طفيفة ترتسم على شفاه المشاهدين. وحتى لو بدا للوهلة الأولى حريصاً على التوقف لبضع لحظات ربما من أجل تخليص نفسه من كل التوتر المخزن في جسده بعد تسع نوبات مزعزعة للاستقرار.

إذن ماذا بقي في نهاية سلسلة Dekalog بأكملها؟ لا يتبقى سوى الوعي بالأهداف العليا للموهبة البشرية مع الإحساس بتحفة فنية ذات أبعاد هائلة. إنها رحلة عبر البنية المعقدة للنفسية البشرية من أجل التحقق من آليات رد فعلها وكشف كل خلل بطريقة شخصية صارمة.

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!