فلسفة

فلسفة أفلاطون: الحقيقة بين الواقع والمثال

لا يمكن أن يجلس الإنسان أمام مرآة الفكر، دون أن يمر بأفلاطون.. ذلك الفيلسوف الذي لم يكتفِ بالتساؤل عن الحقيقة، بل تخيّل لها عالمًا كاملاً، نقيًا، متعاليًا على الحواس، تسكنه “المُثُل” الخالدة. من كهف مظلم تصرخ فيه الظلال، إلى مدينة فاضلة يحكمها الفلاسفة، شقّ أفلاطون طريقًا عقليًا ما زال الفكر الإنساني يسلكه بعد أكثر من ألفي عام. في هذا المقال، نستعرض أبرز ملامح فلسفة أفلاطون في محاولة لفهم كيف رسم هذا المفكر الإغريقي خريطة للفكر ما زالت تؤثر فينا إلى اليوم..

أفلاطون وسقراط

كان عمر أفلاطون يقترب من الثلاثين عامًا حينما تجرع سقراط السم. وبعد أن قضى طوال عمره بجانب معلمه إذا به يرى معلمه وهو يقتل أمام عينيه مما ترك أثرًا لا يمحى في نفس أفلاطون. وربما سيظل هذا الأثر الذي تركه سقراط معه طويلاً، بل وسيشكل ملامح فلسفة أفلاطون بأكملها. حيث أدرك أفلاطون مدى الهوة التي تفصل بين المجتمع الواقعي الذي تحكمه المصالح السياسية والمجتمع الفاضل المبني على العلم والتفكير الذي كان ينادي به سقراط.

كان أول عمل استهل به أفلاطون مسيرته الفلسفية هي نشر محاكمة سقراط. وعلى الرغم من أن سقراط وغيره من الفلاسفة الذين سبقوه لم يتركوا وراءهم إرثًا مكتوبًا إلا أن أفلاطون لم يكن كذلك. فلقد ترك لنا بالإضافة إلى محاكمة سقراط العديد من الرسائل وما يقرب من ثلاثين محاورة من محاوراته التي تشتمل على فلسفة أفلاطون بأكملها. أما ما ساعد أفلاطون على ذلك فهو إنشاءه لأكاديمية أفلاطون التي عنيت منذ اللحظة الأولى لنشأتها في الحفاظ على إرث جميع المفكرين.

فلسفة أفلاطون

كان السفسطائيون قد انصرفوا عن المشكلات التي تناولها فلاسفة الطبيعة. واتجهوا بدلاً من ذلك إلى الاهتمام بقضايا الإنسان والمجتمع، وقد تبعهم في هذا الاهتمام سقراط أيضًا. ولكن رغم هذا الاهتمام فلم يتركوا مشكلات فلسفة الطبيعة كليًا. لذا كان اهتمامهم بمعرفة الأبدي والزائل محور اهتمامهم أيضًا إلا إنهم تناولوا هذه المسألة من وجهة نظرهم الخاصة. بمعنى أنهم بحثوا في الأخلاق، ومكانة المثل العليا والفضائل في المجتمع.

الخير والشر

كان السفسطائيون يرون أن الخير والشر هي مفاهيم نسبية يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان. وبالتالي لا يمكن لهذه المفاهيم أن تتحول إلى قاعدة ثابتة. لكن سقراط رفض هذه الفكرة بالكلية ولم يقبلها، واعتقد سقراط أن هناك بعض القواعد الأبدية التي يمكن لها أن تحدد الخير والشر. وفي إمكان جميع البشر أن يتوصلوا إلى تلك القواعد الثابتة إذا ما استخدموا عقولهم. حيث تدور فلسفته حول أن العقل أبدي وثابت. ولذلك بإمكانه أن يكتشف ويدرك ما هو أبدى وثابت كذلك. وإلى هنا توقف السفسطائيون، وكذلك سقراط وجاء الدور على أفلاطون.

اعتقد أنبادوقليس وديمقريطس أنه طالما التغير والتحول المستمر يسري على جميع الظواهر الطبيعية. فلابد إذن أن يكون هناك شيئًا جوهريًا لا يسري عليه التغير والتحول. وقد توصل أنبادوقليس إلى أن هذا الثابت غير المتغير هو العناصر الأربعة. في حين توصل ديموقريطس إلى أن هذا الثابت هو الذرات.

في البداية وافق أفلاطون على هذه الفكرة في المجمل لكنه منحها مدلولاً مختلفًا تمامًا. حيث رأى أفلاطون أن كل ما هو ملموس في الطبيعة معرض للتغير، وبالتالي لا يوجد أي مادة غير قابلة للتحلل سواء كان ذلك العناصر الأربعة أو الذرات كما قال سابقوه. فكل ما هو موجود في عالم الطبيعة يتكون من مادة يمكن أن تفنى وتتحلل ببساطة. لكن مع ذلك فإن كل هذه الموجودات الفانية مصنوعة وفقاً لقالب أو نموذج أبدي وثابت لا يطرأ عليه أي تغير. وهذا القالب أو النموذج ليس ماديًا بل روحي ومجرد. ومن هنا تأتي نظرية المثل لأفلاطون.

نظرية المثل

 أحد أكثر الجوانب تحديًا في فلسفة أفلاطون هو نظريته عن الأشكال أو النماذج أو المثل. تؤكد نظرية المثل لأفلاطون أن العالم المادي ليس سوى ظلاً، أو صورة، للواقع الحقيقي لعالم المثل. إذن قسم أفلاطون الواقع إلى جزئين:

الجزء الأول: هو العالم المدرك بالحواس. ونملك عنه معرفة تقريبية وناقصة لأننا نستخلصها بواسطة حواسنا الخمس. وهي بحكم طبيعتها حواس تقريبية وناقصة. وعالم الحواس هذا يخضع «للتغير المتصل» وليس به شيء دائم يصمد لتيار التحول الدافق. فلا يولد شيء ليظل باقيًا إلى الأبد. هناك فقط أشياء تولد وتختفي. أما الجزء الثاني: فهو عالم المثل الذي نستطيع أن نملك عنه معرفة يقينية، بفضل استخدام عقولنا. وعالم المثل هذا نعجز عن إدراكه بالحواس، لأن المثل (أو النماذج) أبدية وثابتة. 

مثال توضيحي على نظرية المثل

ولتبسيط الفكرة سنعطي مثالاً: لنفترض أنك من سكان كوكب آخر وهبطت بسفينة الفضاء على الأرض. ولنفترض أيضًا أنك لا تعرف شيء عن محلات الحلوى. وخلال سيرك في المدينة شاهدت محلاً للحلويات يُعرض فيه أعداد هائلة من الحلوى كلها متماثلة. وكانت الحلوى مثلاً على شكل عرائس. هنا تشرع في التساؤل كيف يمكن لهذه الحلوى جميعها أن تتشابه بهذه الدرجة، وذلك على الرغم من أنك إذا أمعنت النظر ستجد أن إحدى العرائس يدها مكسورة، وأخرى جزء من الرأس مفقود، وغيرها لا وجود لأرجلها. ولكنك رغم كل ذلك تستطيع بكل سهولة أن تشهد أن جميع عرائس الحلوى متماثلة. ومن هنا ستفكر في شيء واحد هو أن جميع هذه العرائس لها أصل واحد. أي أنها صنعت وفقًا لقالب واحد، وبالتالي فإن هذا القالب هو الأكثر كمالاً من كل تلك الأشكال الناتجة عنه. أليس كذلك؟!

التطبيق على نظرية المثل

لنطبق إذن هذا الأمر على الموجودات في الطبيعة. فأنت شاهدت من قبل الكثير من الخيول والبشر والأفيال ورغم أنهم متشابهين في المجمل إلا أن كل واحد منهم يختلف عن الأخر. فهناك مثلاً حصان أبيض وآخر أسود وغيره أحمر، ولكنك بكل تأكيد ستقول عنهم جميعًا إنهم خيول. وينطبق الأمر كذلك على البشر على اختلاف أشكالهم أو عقولهم أو صفاتهم إلا أنهم في النهاية يندرجون ضمن البشر. من هنا تستنتج أن هناك عدد محدد من القوالب التي صنعت على مثالها كل الموجودات في الطبيعة. لقد أطلق أفلاطون على هذه القوالب اسم المثل فوراء كل الخيول “مثال الحصان” ووراء كل البشر “مثال الإنسان” ووراء كل الأفيال “مثال الفيل” وهكذا.

 لذلك انتهى أفلاطون إلى أن هناك واقعًا آخر يكمن وراء هذا العالم المادي الذي تدركه الحواس. وهذا الواقع الآخر هو عالم المثل. وفي هذا العالم توجد القوالب الأبدية والثابتة التي هي أصل كل الظواهر الموجودة في الطبيعة. هذه باختصار نظرية المثل لأفلاطون.

العقل في فلسفة أفلاطون

يعتقد أفلاطون أن كل ما نشاهده حولنا في الطبيعة مآله إلى الفناء، فلا يوجد في العالم الذي تدركه الحواس شيء يدوم. فكل البشر والحيوانات والنباتات وحتى الجمادات الموجودة في الطبيعة تتغير وفي النهاية تموت. لذا فمن المستحيل أن نمتلك معرفة يقينية عن شيء يتغير باستمرار، وأقصى ما نطمح إليه في هذا العالم هو أن نطرح فرضيات غير مؤكدة.

المعرفة اليقينية

أما المعرفة اليقينية فلن ندركها إلا من خلال العقل. على سبيل المثال إذا كنت مدرساً وسألت طلابك في الفصل عن أجمل ألوان قوس قزح، فبكل تأكيد ستحصل على إجابات مختلفة بشدة من كل واحد ولكن إذا سألت عن حاصل ضرب اثنين في اثنين سيجيب جميع الطلاب إجابة واحدة. لذا فإن العقل في هذه الحالة هو الذي يصدر حكمه. والعقل يتعارض مع الشعور والإدراك الحسي. ومن هنا نجد أن العقل كلي وأبدي لأن العقل لا يعبر إلا عن العلاقات الأبدية والكلية. أما الحواس في خادعة ولا يمكن الاعتماد عليها بأي شكل من الأشكال، فقدرة مثل الإبصار تختلف من شخص إلى آخر.

وعلى سبيل المثال إذا التقتنا تفاحة وسألت صديقك عنها سيقول إنها مستديرة تمامًا في حين إنك إذا سألت شخصًا أخر ربما يقول لك إنها منبعجة قليلاً من أحد الجوانب. لذا فلن تحصل على معرفة يقينية بشأن التفاحة إذا اعتمدت اعتمادًا كليًا على الحواس. وفي المقابل يمكن أن تحصل على هذه المعرفة اليقينية إذا قلنا إن مجموع زوايا المثلث هي 180 درجة وستظل كذلك إلى الأبد ولن تتغير.

النماذج في فلسفة أفلاطون

وقد حاول أفلاطون أن يثبت صحة نماذجه عن طريق رسم دائرة مثالية كاملة. حيث يمكن لنا أن نرسم دائرة كاملة مثالية عن طريق البرجل رغم إنه لم يسبق لأحد أن شاهد دائرة مثالية في الطبيعة. إن النماذج عند أفلاطون هي أنقى تمثيل لكل الأشياء. كما يعتقد أن المعرفة الحقيقية أو الذكاء هو القدرة على فهم عالم النماذج بعقل المرء. ونظرًا لأن الأشكال موجودة بشكل مستقل عن الزمان والمكان، فيمكن القول إنها موجودة فقط كأفكار في أذهان الناس. فالنماذج هي “مخططات” موضوعية لتحقيق الكمال. على سبيل المثال، إذا كان لدينا مربع مرسومًا على السبورة، فإن المربع كما هو مرسوم لا يمثل تمثيلاً مثاليًا للمربع. ومع ذلك، فإن معرفة “مربع” النموذج فقط هو الذي يسمح لنا بمعرفة أن الرسم على السبورة يُقصد به تمثيل مربع. شكل “مربع” مثالي ولا يتغير. شكل “المربع” هو نفسه تمامًا بغض النظر عمن يفكر فيه.

فلسفة أفلاطون في الروح

طبقًا لنظرية المثل يعتقد أفلاطون أن الإنسان مكون من جزئين مثل العالم بالضبط، فهو يمتلك جسدًا يخضع للتغير وهذا الجسد مرتبط بعالم الحواس ويسري عليه نفس المصير – الفناء – الذي يسري على كل الموجودات في الطبيعة، والجزء الثاني هو الروح الخالدة، ويعتبرها أفلاطون موطن العقل، وهي روح أثيرية غير مادية. لذا فإن بمقدورها أن ترى عالم المثل.

كذلك يرى أفلاطون أن الروح كانت موجودة من قبل أن تأتي لتسكن الجسد. فهي تعيش في عالم المثل إلا إنها ما إن تحل في جسد إنسان حتى تنسى تلك المثل المتصفة بأقصى درجات الكمال. وبعد أن تسكن الروح الجسد يبدأ الإنسان في إدراك الأشياء المحيطة به في عالم الواقع، وهنا تنبثق لهذه الأشياء ذكرى غامضة في الروح.

فإذا رأى الإنسان حصانًا بلا قدم مثلاً فتكفي هذه الرؤية لإيقاظ ذكرى مبهمة للحصان الكامل الذي رأته الروح من قبل في عالم المثل. ومن هنا ينشأ حنين الروح للعودة إلى مستقرها الحقيقي القديم في عالم المثل، ويسمي أفلاطون هذا الحنين “أيروس” أو المحبة. لذا فإن توق الروح إلى العودة لمستقرها في عالم المثل يعود إلى شعورها بأنها مسجونة في سجن الجسد. حيث ترى الروح بأن كل ما يرتبط بالحواس ما هو إلا ظل شاحب وناقص. لكن البشر لا يرغبون في تحرير الروح بل على العكس من ذلك تراهم متمسكين بظلال المثل المرتبطة بعالم الحواس. فإذا لمحت ظلاً لحصان فقد تحسبه حصانًا ولكنك لا تملك معرفة يقينية عنه. حتى إذا ما ظهر الحصان الحقيقي فتراه أجمل وأبهى من الظل الذي تخيلته حصان. ومن هنا جاءت قصة أفلاطون عن الكهف.

كهف أفلاطون

تخبرنا قصة كهف أفلاطون أن نتخيل أن هناك مجموعة من البشر منذ نعومة أظافرهم كانوا يعيشون في كهف مظلم، وقد قيدت أطرافهم بسلاسل من الأرجل والأعناق. وظل هؤلاء على حالهم يجلسون أمام جدار ماثل في أعماق الكهف، ولا يتاح لهم سوى النظر إلى الجدار المواجه لهم.

على الجانب الآخر من الكهف وضعنا وراءهم حاجزًا أشبه بالحاجز المستخدم في مسرح العرائس. وشرعنا في تحريك بعض العرائس المختلفة. ثم أشعلنا النار وراء الحاجز، وبالتالي فإن ضوء النار سيُلقي بظلال هذه العرائس على الجدار الماثل في أعماق الكهف أمام هؤلاء البشر. وعلى مدار الأيام يشاهدون هذه العرائس وهي تتحرك فيعتقدون أن هذه الظلال هي الواقع الحقيقي الوحيد الموجود.

وفي أحد الأيام استطاع أحد هؤلاء البشر أن يتخلص من قيوده، وينطلق في طريقه، ربما أول ما يتبادر إلى ذهنه هو من أين تأتي كل هذه الظلال المتحركة على حائط الكهف. وخلال رحلته لاستكشاف هذا الأمر سيتفاجأ بالضوء الساطع الناجم عن النار، وسينبهر بوضوح أشكال هذه العرائس الحقيقية عندما يراها. وإذا تخيلنا إنه استطاع أخيرًا أن يخرج من ظلمة الكهف ورؤية جميع الموجودات في الطبيعة، بالطبع ستصيبه دهشة عظيمة من جمال ما يراه. فهو طوال حياته لم يكن يدرك أن هناك واقع أجمل وأبهى وأروع من الواقع الذي كان يعيش فيه. ويكتشف في النهاية أن ما كان يراه على حائط الكهف ما هو إلا ظلال لكل تلك الأشكال الرائعة.

الظلال والواقع

لكن بعد أن يكتشف كل هذا الجمال الموجود في الواقع الحقيقي، ويتمتع به، يتذكر فجأة هؤلاء البشر الذين ما زالوا موجودين في أعماق الكهف. ومن هنا يقرر العودة إليهم ليخبرهم بما رأه. وعندما وصل إليهم جلس يقص عليهم ما رأه وما حدث معه. وأخبرهم أن ما يرونه على الحائط ما هو إلا ظلال باهتة لأشياء أروع بكثير. لكن لم يصدقه أحد بل وظلوا يؤكدون له أن الواقع الوحيد هو ما يرونه على الحائط، حاول أن يقنعهم إلا إنهم في النهاية قاوموه مقاومة شديدة. فهم فضلوا البقاء في ظلام الكهف بينما لم يستطع هو أن يعود مرة أخرى إلى ظلمة الكهف ليستكمل العمر ويحيا باعتقاده السابق أن خيالات الظلام هي حقائق الحياة.

المغزى من كهف أفلاطون

لا شك أن أفلاطون من خلال قصة الكهف يريد أن يوضح أن العلاقة بين ظلمة الكهف والطبيعة خارجه، تُشبه العلاقة بين الأشكال الموجودة في الطبيعة وبين عالم المثل. إنه لا يعني بذلك أن الطبيعة قاتمة وكئيبة بل يعني إنها قاتمة بالنسبة إلى وضوح وضياء عالم المثل.

كذلك أراد أفلاطون أن يوضح أن إدراك الإنسان محدود بما تستقبله حواسه الخمس التي تعطيه انطباعات يعتقد إنها الحقيقة. ولأن الانطباعات متغيرة وتقريبية – كما أشرنا سابقًا – فليس من الممكن للإنسان العاقل أن يعتمد عليها ويعتبرها حقائق. لإن الحقائق لا يمكن التوصل إليها بالحواس، ولكن عن طريق العقل الذي يستطيع أن يغربل الأفكار، وينقيها لكي تصل إلى درجة الاكتمال والمثالية. وهذا يعني أن الفلسفة الضرورية لإدارة الحياة تتطلب إعمال العقل، والسعي إلى إتمام تعلم وتدريب الروح من أجل الوصول إلى هذا السمو الفكري.

مهارات الحساب

ومن هنا كان اهتمام أفلاطون بكل أنواع العلوم خاصة الرياضيات، وإيمانه بضرورة إتقان مهارات الحساب التي رأى أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش حياته بشكل مثالي دون العلم الكافي بها. والدليل على درجة إيمان أفلاطون بأهمية الحساب تلك اللافتة التي علقها على باب أكاديميته، والتي تحمل عبارته الشهيرة: “لا يدخل هنا من يجهل علوم الحساب”.

فلسفة أفلاطون ليست مجرد تأملات في ما وراء الطبيعة أو بناءات ذهنية خيالية، بل هي مرآة تعكس التوتر الأزلي بين الواقع والمثال، بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون. لقد أراد أفلاطون للعقل أن يكون سيدًا، وللفضيلة أن تقود، وللحقيقة أن تسكن القلوب قبل أن تُدوَّن في الكتب. وربما، في عالمنا المعاصر المزدحم بالصخب والمعلومات السريعة، نحتاج أن نستعيد لحظة أفلاطونية: لحظة صمت نتأمل فيها الظلال التي تحيط بنا، ونسأل أنفسنا — كما فعل تلميذ سقراط — هل ما نراه هو الحقيقة؟ أم مجرد انعكاسات على جدار الكهف؟

وائل الشيمي

كاتب وأديب بدأ مسيرته الأكاديمية في مجال الصحافة، حيث حصل على بكالريوس في هذا المجال، وقاده شغفه بالإنسانية إلى دراسة علم النفس والفلسفة، وقد ساعدته دراسته وقراءاته في فهم أبعاد الشخصية البشرية وتعقيداتها. في روايته "الأجنحة السوداء" صور قضايا الوجود والتحديات النفسية التي يواجهها الإنسان في رحلة بحثه عن الإله، في سياق سردي مشوق يحمل في طياته تأملات فلسفية حول الحياة والموت، الحرية والقيود. كما أطلق في مجموعته القصصية "علامات لا تُمحى" مجموعة من القصص التي تتناول الجوانب المظلمة من التجربة البشرية، تاركاً آثارًا لا تُمحى في ذهن القارئ. إلى جانب أعماله الروائية والقصصية، ساهم الكاتب بالعديد من المقالات النقدية والحوارات الفكرية في الصحف والمجلات والمواقع الإعلامية، حيث شكلت كتاباته مساحة للتفكير والتحليل حول قضايا ثقافية واجتماعية معاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

دعمك يهمنا ❤️

نحن نعمل بجد لتقديم محتوى مجاني ومفيد لك. هل يمكننا الاعتماد على دعمك بتعطيل مانع الإعلانات؟ شكرًا مقدمًا!