الأزمة الوجودية: عندما تفقد الحياة معناها

You are currently viewing الأزمة الوجودية: عندما تفقد الحياة معناها
الأزمة الوجودية ما هي؟ وما أسبابها؟ وكيفية علاجها؟

الأزمة الوجودية هي نوع من الحالات النفسية غير المعروفة ولكنها متكررة. وربما من أهم خصائصه الشعور بأن الحياة ليس لها معنى وأن العالم مكان مضطرب يعج بالظلم وعدم المساواة اللامتناهية. يظهر هذا النوع من الاكتئاب بشكل خاص عند الأشخاص ذوي القدرات الفكرية العالية الذين يتنقلون في عوالم نفسية أخرى، ويطرحون على أنفسهم أسئلة عميقة، ويشعرون بنوع غير عادي من المعاناة، والقلق بشأن مستقبل العالم أو الحزن لعدم العثور على المعنى الحقيقي للحياة.

عبثية الحياة

الحياة مهمة شاقة، مهما حاولنا تلطيفها. لا يتطلب الأمر الكثير من البحث لتبرير فهم الوجود على أنه مأساة، عبثية الموت، وقسوة الألم، وعدم الرضا الدائم الذي تحيلنا إليه الرغبة… وإلى الضيق الوجودي يجب أن نضيف الحزن وعدم الرضا الذي طبخناه جميعنا ويأكله كل واحد منا بمفرده. من منا لا يحمل بعض صدمات الطفولة؟ من منا لم تتح له الفرصة لتأكيد مقولة سارتر القائلة بأن “الجحيم هو الآخرون”. الرحلة الوعرة بين الناس، الجهود الضائعة، التدهور اليومي، قلة الحب والمرض، وخاصة المرض… إذا جمعنا كل ذلك، فإن أقل ما يمكن أن نصاب به هو الاكتئاب، ويبدو من الصعب ألا نصاب به. وهنا نتساءل ما كامو ما إذا كانت الحياة تستحق العيش؟

ومع ذلك، فإن الشيء الأكثر جنوناً في الحياة هو أنه – حتى مع كل هذا الوحل خلفنا – لا يزال لدينا شعر في أرواحنا نغنيه، ولا يزال لدينا موسيقى نشعر بنسماتها. لا يزال لدينا مودة نعطيها لصديق، وحنان نضيّعه على طفل. ويبقى الأمل في الحياة، حتى لو علمنا أنها متجهة إلى اللامبالاة أو النسيان، حتى لو شعرنا باحتمال غرق سفينتنا. حتى بعد أن نذرف دمعة ثقيلة سنظل تواقين إلى قبلة، ونرتجف من الحب والفكاهة لنضحك مع ديموقريطس وأبيقور تلك الضحكة الأخيرة التي يدعونا إليها مونتي بايثون.

القصة التي لا تنتهي

ما هي الأزمة الوجودية
يعاني الكثير من الأزمة الوجودية في مراحل معينة من الحياة

عندما يبدو أن كل شيء قد ضاع ولم يبق شيء ينقذنا، نستطيع أن نضحك من العبثية ونتحمس بعد الكارثة، ونهدي ابتسامة رحيمة للتهور الذي أضرنا ونعتذر عن حزننا. نحن قادرون، بعد الخسارة الكاملة، على البدء من جديد وبناء الجديد من تحت الأنقاض. من المستحيل ألا نندهش من ذلك الإصرار المذهل لذلك المجنون الذي لا يتشبث بالحياة فحسب، بل يملأها بالعاطفة والفرح والمعنى. وفي هذا السيرك، وفي هذا العناد لتغيير الاتجاه الطبيعي نحو التدهور، تكمن عظمة الإنسان الأكثر أصالة. لدينا دائماً العناد للمضي قدماً عندما يبدو أن الطريق قد انتهى، لتحقيق أقصى استفادة مما تبقى، حتى لو كان قليلاً، لإعادة بناء ما ضاع حتى ولو بدأنا من الصفر. إنها مثل القصة التي لا تنتهي، فعندما يبدو أن كل شيء يغرق في العدم، تظهر لدينا دائماً مقاومة وإصرار، لنصبح أقوياء في المحتوم ونزرعه ببذور الحلم.

مشكلة الأزمة الوجودية

ربما كانت السمة الأساسية في الأزمة الوجودية هي أن الشخص لم يعد لديه أهداف واضحة، أو ربما تحدث نتيجة لتعرضه إلى صدمات كبيرة، وعلى أية حال سنتحدث عن أسباب الأزمة الوجودية فيما بعد. تنطوي هذه المشكلة دائماً على إجهاد عقلي وتكون سبباً متكرراً للاكتئاب، وفي كثير من الأحيان لا ينتبه الذين يعانون منها إلى هذا الأمر بل ويعتقدونه مجرد حزن عابر وسيمر. لكن تكمن المشكلة الأكبر في البيئة الاجتماعية والعائلية للشخص الذي يعاني من هذه الأزمات. حيث يميل الجميع إلى الاستهانة بها. لذا فإن الخطوة الأولى للتغلب على الأزمة الوجودية هي القبول بوجودها. وعلى الرغم من تأثير الأزمة الوجودية السلبي إلا أن هناك جانب إيجابي لها يجب وضعه في الاعتبار وهو أن هذه الأزمات تساهم في تحسين شخصية الفرد، وتساعده على تحقيق إدراك أفضل لذاته، وفي النهاية تساهم بصورة أو بأخرى في تحديد أهداف لحياته.  

عندما كنا أطفالاً كانت أهداف وجودنا وحياتنا تأتينا دوماً من الخارج، على سبيل المثال كان يُطلب منا القيام الذهاب إلى المدرسة والمذاكرة والقيام بواجباتنا المدرسة من أجل الحصول على أفضل الدرجات التي تساعدنا في الالتحاق بجامعة مرموقة ومن ثم نصبح شخصيات رائعة في المستقبل، فكنا نحاول بذل أقصى ما في وسعنا كي نتكيف مع متطلبات المجتمع. هكذا كانت تسير الأمور. لكن في حياة الكبار تتغير الأمور وتتبدل، فنعيش حياتنا ونحن نحاول الإيفاء بتوقعات الآخرين منا، وإذا تم ذلك سرعان ما يبدأ الشعور بالفراغ الداخلي، نظراً لعدم وجود توقعات وآمال وأهداف خاصة بنا. ومن هنا نبدأ في السؤال لماذا نحن هنا؟ وما الغرض من وجودنا في هذه الحياة؟ وغيرها من الأسئلة الوجودية التي لا نجد لها إجابة وتقذف بنا إلى بئر مظلمة عميقة نعاني بداخلها من الحزن والألم والاكتئاب وفقدان الحافز وعدم الرغبة في الحياة.

أعراض الأزمة وجودية

اضطرابات نفسية
علامات الاكتئاب الوجودي

لا تتوقف أعراض الأزمة الوجودية على تلك التي ذكرناها آنفاً، بل تشتمل على العديد من الأعراض الأخرى. لذا فمن أجل معرفة أن شخصاً ما يعاني من أزمة وجودية عليك أن تكون منتبهاً لهذه الأعراض:

  • الحزن العميق والدائم.
  • الشعور المستمر بالكرب دون سبب واضح.
  • اللامبالاة وعدم الرغبة في تحقيق الأهداف أو الإنجازات.
  • عدم وجود إرادة للقيام بالأنشطة اليومية.
  • التساؤلات العميقة بشأن جميع القرارات التي اتُخذت في الحياة.
  • عدم وجود حافز لفعل أي شيء.
  • الأرق المستمر، لكن عند الحصول على قسط من النوم فلا توجد رغبة في النهوض.
  • الإحباط والشعور بالاستياء.

مراحل هذه الأزمة

لا تأت الأزمة الوجودية بصورة مفاجئة، بل تتطور من مرحلة إلى أخرى لتسيطر في النهاية على نفسية ومشاعر الشخص الذي يعاني منها. لذا فمن الضروري التعرف على مراحل الأزمة الوجودية كي نستطيع علاجها فيما بعد:

  1. كثرة الشكوك

    أول هذه المراحل هي كثرة الشكوك حول الكثير من القضايا والمسائل الخاصة بحياة الشخص سواء على المستوى الاجتماعي أو المهني أو الأسري، على الرغم من عدم وجود مثل هذه الشكوك من قبل.

  2. الفشل في التكيف مع الحياة

    عدم ينتهي الإنسان من تحقيق هدف معين يبدأ في التحضير والاستعداد لأهداف أخرى، لكن معاناته من الأزمة الوجودية تجعله يفشل في التكيف مع الأهداف الجديدة في حياته.

  3. التخلي التدريجي عن الأهداف الجديدة

    في هذه المرحلة وبعد فشله في التكيف يأتي التخلي التدريجي عن الأهداف الجديدة واللامبالاة بالفشل أو النجاح، فكليهما سواء بالنسبة له.

  4. الرغبة في العزلة

    تبدأ هذه المرحلة برفض الشخص للاهتمامات التي كان يقوم بها من قبل، ولم تعد مثل الموضوعات المفضلة لديه تستهويه، وهنا يجد الشخص صعوبة في الاختلاط بالآخرين سواء كانوا عائلةأو أصدقاء أو زملاء عمل، فيحاول أن يعزل نفسه بعيداً.

  5. الشعور بالوحدة والحزن المستمر

    يشعر الشخص في هذه المرحلة بالوحدة ويطغى عليه الشعور الدائم بالحزن، كما يبدأ عقله في تقديم المزيد من التساؤلات التي تؤجج هذا الحزن حينما لا يجد إجابات.

  6. الأزمة الوجودية والاكتئاب

    في النهاية تبدأ أعراض الاكتئاب، ويصاحبها بالطبع لامبالاة بالحياة أو الأهداف أو أي شيء أخر.

أسباب الأزمة الوجودية

هل للحياة معنى
من أين يأتي هذا الاكتئاب

لماذا تحدث أزمة وجودية؟ تمت الإجابة على هذا السؤال بعدة طرق. وفي حقيقة الأمر فإن العدد الكبير من الإجابات يوضح شيئاً واحداً وهو أن أسباب الأزمة الوجودية عديدة. لكن هذه الأسباب تختلف من شخص لآخر. وفي هذا الصدد نعرض قائمة بالأسباب الرئيسية لهذه الأزمات:

  • الكبر في العمر. على سبيل المثال، عندما يكبر أطفال المرء، ويتزوجون ويغادرون المنزل. أو عند التقاعد من العمل.
  • التعرض لصدمة كبيرة. على سبيل المثال وفاة أحد أفراد الأسرة.
  • الشعور بالوحدة. على سبيل المثال عندما لا يكون لديك أسرة أو دائرة اجتماعية.
  • اقتراب الموت. تحدث هذه الأزمة عندما تكون على علم بقرب الموت سواء بسبب العمر أو المرض.
  • عدم تحقيق الأهداف في الحياة.
  • عدم وجود أهداف واضحة في الحياة.
  • فقدان القدرة على تحقيق ما حلمت به.

من المهم معرفة أسباب هذه الأزمات. فبهذه الطريقة فقط يمكن إجراء العلاج المناسب للشخص. ضع في اعتبارك أن الأزمات من النوع الوجودي يبدو أنها تتبع سلسلة من الأحداث. لذلك، فإن معرفة السبب يعني الكشف عن الحلقة الأولى في السلسلة المذكورة.

خصائص الأزمة الوجودية

هذه الأزمات لها عدد من الخصائص المميزة التي تميزها عن جميع الأمراض النفسية الأخرى. هذه الخصائص تشتمل على التالي:

  • أزمة شخصية تماماً. فهي ليست قضية جماعية. وفي حقيقة الأمر ربما لا يعرف الشخص أبداً أسباب دخوله في أزمة وجودية.
  • تبدأ بصورة تدريجية. فلا تنشأ أزمة وجودية بين عشية وضحاها. حيث لديها سلسلة من المراحل المتباينة بوضوح.
  • تظهر في الأفراد الذين لديهم مستوى معين من النضج. فمن النادر أن تجدها في مرحلة الطفولة أو في المراهقين الذين لديهم وعي أقل بالحياة. فالأزمة الوجودية لها علاقة بفهم معين للذات وللحدود الخاصة بها.
  • ليست مرضاً. حيث يمكن اعتبارها مجرد مرحلة في الحياة يجب التعامل معها والخروج منها.
  • يدرك الناس أنهم يعانون من الأزمة الوجودية. لكن تكمن المشكلة هي أنه من الصعب عليهم قبولها.

كل ما سبق يساعد في وضع طريقة للتشخيص والعلاج. ومن المهم عدم الخلط بين الأزمة الوجودية والاكتئاب. فعلى الرغم من أن الاكتئاب أحد مراحل الأزمة الوجودية إلا أنه من المهم معرفة أن هذه الأزمة شيء مختلف عن الاكتئاب.

هل يمكن تجاوز هذه الأزمات؟

الجواب نعم. لقد قلنا بالفعل إنها مرحلة وليست مرضاً. ومثل أي مرحلة في الحياة، فهي مؤقتة. هذه واحدة من الأمور التي يجب على المرضى فهمها. فبمجرد أن يفهموا أنهم في هذه الأزمة، يجب عليهم تقبل أنهم يمرون بمرحلة جديدة.

هناك العديد من النقاشات حول كيفية التعامل مع هذه الأزمات. حيث يقول بعض علماء النفس إنه من الضروري إيقافها قبل الوصول إلى مرحلتها النهائية. ومن ناحية أخرى، يرى آخرون أن الأزمة يجب أن تحدث بالكامل. لذا ليست هناك حاجة لاحتوائها، لأن الشخص الذي يعاني منها سينفجر عاجلاً أم آجلاً. لذلك من الأفضل ترك الشخص يعيش هذه التجربة بأفضل طريقة.

في الختام لابد من الإشارة إلى أن الأزمات الوجودية تؤدي إلى تغييرات في الحياة. فلن يكون الشخص نفسه بعد تجاوز هذه الأزمة، ولا فائدة ترتجى من الرغبة في العودة إلى الحالة السابقة. لذا عليك مواجهة الأمر والمقاومة، فالألم الذي تشعر به بداخلك هو علامة على أن هناك شيئاً ما يتغير.

مراجع

1.    Author: Mary Andrews, (01/01/2016), The Existential Crisis, www.psycnet.apa.org, Retrieved: 04/21/2024.

2.    Author: Kirsty Gardiner, (01/24/2024), Existential Crisis: How to Cope with Meaninglessness, www.positivepsychology.com, Retrieved: 04/21/2024.

3.    Author: Rupert Read and Joseph Eastoe, (09/08/2023), Existential Investigations into Our Existential Crisis, www.cambridge.org, Retrieved: 04/21/2024.

 

اترك تعليقاً