نوال السعداوي: رحلة في عقل كاتبة أثارت الكثير من الجدل
نوال السعداوي هي كاتبة وناشطة نسوية أثارت آرائها السياسية والدينية الكثير من الجدل، وقد وصل الأمر إلى تكفيرها من قبل البعض. ذاع صيتها بعد كتابها المثير للجدل ” المرأة والجنس” التي تتحدث فيه عن اضطهاد المرأة في العالم العربي. فمَن هي نوال السعداوي؟ وما هي آراء نوال السعداوي في الدين والسياسة؟
نبذة عن حياة نوال السعداوي
وُلدت الناشطة النسوية نوال السعداوي عام 1931 داخل عائلة على قدر عال من التعليم في قرية كفر طحا بمحافظة القليوبية. وتُوصف في كثير من الأحيان بأنها “سيمون دي بوفوار العالم العربي”. التحقت نوال السعداوي بكلية الطب جامعة القاهرة عام 1955 في قسم الأمراض الصدرية. ثم عملت بعد ذلك كطبيبة في القصر العيني. خلال عملها شهدت العديد من الممارسات المذلة والمهينة للمرأة المصرية، سواء في مهنتها كطبيبة أو لاحقاً ككاتبة. وقد دفعها ذلك إلى التحدث بصوت عالٍ لدعم الحقوق السياسية والجنسية للمرأة والتأكيد باستمرار على قوة المرأة في المقاومة وتحدي القيود من أجل الحصول على حريتها والمساواة مع الرجل. ونتيجة لذلك، تم اعتقالها وسجنها.
بدأت رحلتها مع النسوية حينما رفضت نوال السعداوي قبول القيود التي يفرضها الاضطهاد الديني والاستعماري على معظم النساء من أصل ريفي. ومنذ أن بدأت الكتابة منذ أكثر من 30 عاماً، ركزت الأفكار التي تحملها كتبها على النساء. وفي عام 1972 أثار أول عمل لها وهوم كتاب ” المرأة والجنس” عداء السلطات السياسية والدينية، وتم الضغط على وزارة الصحة حينها لفصلها من عملها. وتحت ضغوط مماثلة فقدت منصبها كرئيسة تحرير لمجلة صحية وكمساعد أمين عام نقابة الأطباء في مصر. من عام 1973 إلى عام 1976 عملت في مجال أبحاث النساء والعصاب في كلية الطب بجامعة عين شمس. ومن 1979 إلى 1980 كانت مستشارة الأمم المتحدة لبرنامج المرأة في إفريقيا (ECA) والشرق الأوسط (ECWA).
في عام 1981، تم سجن السعداوي من قِبل الرئيس أنور السادات بعد انتقادها الصريح لاتفاق السلام أحادي الجانب مع إسرائيل وكذلك سياساته الاقتصادية المحلية. وبعد إطلاق سراحها في عام 1982، أسست جمعية تضامن النساء العربيات، وهي أول منظمة نسوية قانونية مستقلة في مصر مكرسة لتعزيز مشاركة المرأة النشطة في المجتمع العربي. لكن بعد وقت قصير من معارضة الجمعية لحرب الخليج الأولى عام 1991، حظرتها السلطات المصرية.
اقرأ أيضًا: قصة هيباتيا: كيف ماتت أشهر فيلسوفة في التاريخ؟ |
آراء نوال السعداوي في السياسة والاجتماع
لطالما أثارت آراء نوال السعداوي السياسية والدينية والاجتماعية الكثير من الجدل في جميع الأوساط. لكنها كانت تدافع عن آرائها بشراسة منقطعة النظير، في هذا القسم نستعرض بعض الآراء الخاصة بها سواء تلك التي ذكرتها في كتاباتها أو التي صرحت بها في العديد من المنابر الإعلامية.
آراء نوال السعداوي في النسوية
ترى نوال السعداوي أن فكرة النسوية تعني الإنسانية والعدالة الاجتماعية والعديد من المفاهيم الأخرى، وعلى حد قولها:
” كنت ناشطة نسوية عندما كنت طفلة لأنني كنت غاضبة لأن أخي يتمتع بحقوق أكثر. لذا فإن النسوية بالنسبة لي ليست نظرية قرأتها باللغة الإنجليزية. إنها طريقة حياة، مثل الاشتراكية، مثل المساواة. وأنا لا أؤمن بالنسويات اللائي يفصلن بين الاغتصاب الجنسي والاغتصاب الاقتصادي. ففي الغرب مثل إنجلترا وأمريكا بعض النسويات مغرمات جداً بالتحدث فقط عن الاغتصاب الجنسي. ويفصلونه عن الاغتصاب الاقتصادي والتلاعب العقلي، كما يحدث عندما يتم غسل دماغ شخص ما بواسطة وسائل الإعلام أو التعليم. لذلك أرى كل ذلك على أنه نسوية بمعنى أوسع.”
النسوية والوعي الزائف
تقول نوال السعداوي في معرض حديثها عن النسوية:
” في هذه الأيام، هناك ظاهرة أسميها “الوعي الزائف”. حيث ترتدي العديد من النساء اللواتي يسمن أنفسهن اليوم بالنسويات الماكياج والكعب العالي والجينز الضيق وما زلن يرتدين الحجاب. إنه متناقض للغاية. إنهم ضحايا كل من الأصولية الدينية والنزعة الاستهلاكية الأمريكية. ليس لديهم وعي سياسي. إنهم غير مدركين للصلة بين تحرير المرأة من جهة والاقتصاد والبلد من جهة أخرى. يعتبر الكثيرون أن النظام الأبوي هو عدوهم فقط ويتجاهلون رأسمالية الشركات.”
قضية السلام
تريد نوال السعداوي سلاماً حقيقياً. أو كما تقول:
” لا أريد سلام السادات. بل سلام حقيقي، عدالة اجتماعية حقيقية، سعادة حقيقية، مساواة حقيقية بين الناس، بغض النظر عن الجنس والطبقة والجنسية والدين. لماذا لا يصبح الناس بشراً متساوين؟ ولماذا تغزونا أمريكا والاتحاد الأوروبي ويأخذون مواردنا؟ لماذا استعمرنا البريطانيون؟ ولماذا استعمرت أمريكا العالم؟ لماذا تأخذ إسرائيل أرض شعب آخر؟ لا أحد يجيب على هذه الأسئلة. هذا حلمي، حلمي غير المحقق. السلام والعدل. لا سلام بدون عدالة.
الحكم الذاتي
تحدثت نوال السعداوي كثيراً عن السلطة والنظم السياسية ليس في العالم العربي فحسب بل في العالم أجمع. حيث كانت تنظر إلى الديمقراطية على أنها مجرد وهم في الغرب، وهي أكثر من ذلك في العالم الشرقي، فلا يوجد نظام سياسي في العالم يريد أن يكون الناس أحراراً أو مستقلين ويحكمون أنفسهم.
قالت إنها تكره كل الحكومات، فليس هناك الكثير للاختيار بينها، سواء في الغرب أو في الشرق أو في الشمال أو في الجنوب. بالنسبة للسعداوي، هناك شيء خاطئ في مفهوم حكم الآخرين. حيث كتبت “أنا أحكم نفسي ولست بحاجة إلى شخص ما ليحكمني، سواء في الولاية أو في المنزل”
لقد كانت لها رؤيتها الخاصة في الحكم حيث أنها أشارت غير ذات مرة إلى أن الناس لديهم رؤى خاصة بهمم تمكنهم إلى أن يحكموا أنفسهم من خلالها، لكنهم ممنوعون من ذلك طوال الوقت. هذه الفكرة الرائعة كانت تبحث في استغلال الناس لإمكاناتهم التي تمكنهم من تغيير حياتهم بدلاً من الشعور بالعجز. وترى أن رسالة الكاتب هو معالجة عجز الناس ونقصهم، وهي العملية التي تساهم في كشف النقاب عن عقول الناس. على عكس الحكومات التي تعمل بطرق خفية للغاية للسيطرة على أدمغة الناس، وغسل الأدمغة من خلال وسائل الإعلام.
ما تشير إليه السعداوي هنا هو أن هناك إمكانية لنا للتعبير عن أنفسنا وانتقاد طبيعة الدولة أو المجتمع، ولكن هذا لا يمكن أن يتم من خلال أجهزة الدولة أو بوساطة موظفين برعاية الدولة الذين تكمن مصالحهم في نشر أو دعم مُثُل الدولة وقيمها. وتتساءل كيف يمكن للقلة الذين يمثلون الحكومة أو الدولة أن يسيطروا على الأغلبية؟!
آراء نوال السعداوي في العبودية
بالنسبة إلى نوال السعداوي، فإن مشكلة السيطرة على القلة مرتبطة تاريخياً بالعبودية. حيث كانت العبودية تعني أن قلة من الناس، حكموا مئات أو آلاف الأشخاص. لقد ترك هذا التاريخ نوعاً من التراث النفسي الذي أعيد تنشيطه في التعليم والإعلام. إن الهيمنة ليست هيمنة اقتصادية أو عسكرية في الأساس، إنها شكل خفي من الهيمنة العقلية. وعلى هذا النحو، فإن السؤال المركزي لنوال هو ؛ “كيف يمكن للناس التخلص من هذا الغزو لأدمغتهم من قِبل وسائل الإعلام والتعليم في الجامعات؟”
الصوت المخالف
يبدو أن هناك بعض التناقض هنا. كما يتضح من قصة حياتها، حيث انتقلت نوال السعداوي من حياة القرية إلى الجامعة ثم إلى مهنة الطب. هذه العملية التحولية التي تدعي أنها مدمرة قد ساعدتها على رؤية العالم الواقعي، بل ومكنتها من التعبير عن أفكارها بأكثر من اللغة. تقول نوال:
” كان عليّ أن أدرس الطب للتخلص منه. لا بد لي من معرفة السياسة من أجل تحدي السياسة”.
لذا كان عليها أن تذهب إلى المدرسة والجامعة وتتخرج كطبيبة كي تتحدى مهنة الطب، فهي ترى أن الطب مهنة مثل جميع المهن تجارية في المقام الأول وتقوم باستغلال الناس، وتقول “لم أكن لأعرف ذلك لو لم أدرس الطب”.
هذا التصريح يبدو كفكرة مبتذلة إلى حد ما. تلك الفكرة القائلة بأنه من الأفضل وضع المرء في مهنة من أجل تغييرها. فالرسالة الواضحة هي أن المهن تغير من ينتقل إليها. لقد أدركت نوال جيداً في هذه المرحلة أن هذه المهنة لا يمكن تغييرها من الداخل كما كانت تعتقد. لذا أوضحت بعد ذلك أن “الصوت المخالف” الذي يتحدث في مهنة ما، سرعان ما يتم رفضه من قِبل تلك المهنة. وهي نفسها مثال على ذلك.
الانتهاكات المعنوية والجسدية
بحسب السعداوي، فإن “الناس العاديين لا يتعدون على الآخرين، فالناس الذين يملكون القوة يتعدون على الآخرين”. الأقوياء يتعدون على الآخرين من خلال وكلائهم الاجتماعيين والجيش والأسرة والشرطة والمهن الطبية والاجتماعية والقانونية. تنتقد نوال هذه التعديات والانتهاكات المعنوية والجسدية. السعداوي نفسها لديها مثل هذه التعديات والانتهاكات الجسدية حينما تم ختانها وهي طفلة. أما كطبيبة فهي تدين هذه الممارسة وكذلك ممارسة ختان الذكور وما تسميه “الختان النفسي”.
وتقول أن هناك الكثير من الصمت حيال هذه الانتهاكات، والانتهاكات النفسية مدمرة تماماً مثل الانتهاكات الجسدية، بل إن الانتهاكات النفسية أشد وطأة من الجسدية. حيث أن “الجسدي مرئي، وأحياناً يكون المرئي أقل خطورة من الظلم غير المرئي”. فالاعتداءات النفسية على اختصاصي التعليم والرعاية، بالنسبة للسعداوي، هي أشكال من القهر الخفي أو الختان النفسي.
اقرأ أيضًا: رواية عزازيل: كل المهرطقين هنا، كانوا مبجلين هناك! |
آراء نوال السعداوي في الدين
قالت الناشطة النسوية نوال السعداوي إنه في عالمها المثالي لن يكون هناك دين راسخ ولا كتب. إنها تعارض بشدة فكرة “النص الثابت”. كما ترى الكتب المقدسة بمثابة كتب سياسية. سواء كان العهد القديم أو العهد الجديد أو القرآن، كلها كتب سياسية بالنسبة لها. فهذه الكتب تتحدث عن الحرب، وغزو بلدان الآخرين، والميراث، والمال. ولا تقدم سوى أقل القليل بشأن العدالة والأخلاق والروحانيات.
أقوال نوال السعداوي عن النصوص المقدسة
تقول نوال ليس هنالك نصوصاً مقدسة حتى النصوص العادية التي كتبها مفكرون مثل فرويد أو ماركس والتي أصبحت لها قدسية فيما بعد فهي ترفضها. حيث تشير إلى أن هذه النصوص التي تحتوي على كلمات تم تبنيها وتقديسها في النصوص المعاصرة مثل “اللاوعي”، “الاشتراكية”، أو “ما بعد الحداثة”، “الحوار”، “الاستقلالية” أو “التفكير” كل هذا يجب أن يتم انتقاده بصرامة وإخضاعه للتدقيق بشأن فائدتها في الحياة اليومية. فلا توجد كتب مقدسة أو كلمات مقدسة في يوتوبيا نوال. إنها تريد أفكاراً مثل العدالة والحرية والحب – التي لها معنى وأفعال مرتبطة في الحياة اليومية لجماهير الناس وليس فقط نخبة مهنية أو دينية مختارة – لتلعب دوراً أكبر بكثير في تفكيرنا وأفعالنا. وهي تعتقد أننا نعبد النص سواء كان إلهياً أو بشرياً. وهي تستعبدنا كما هو الحال في الطقوس.
لقد أثارت نوال السعداوي الكثير من الجدل وخاصة مع رجال الدين الإسلامي بعد أن صرحت غير ذات مرة بضرورة تجديد الخطاب الديني. ويتمثل تجديد هذا الخطاب في تعديل النصوص الخاصة بالتراث، وليس التراث فحسب بل النصوص القرآنية المقدسة أيضاً. ترى السعداوي أن هناك العديد من النصوص في القرآن قد سقطت. فالنص ليس ثابتاً كما تعتقد بل لابد وأن يتوافق مع المصلحة العامة، ومن أهم القضايا الشائكة التي عبرت عنها:
آراء نوال السعداوي حول الختان
تقول نوال السعداوي:
” أنا ضد ختان الإناث والذكور. أقول هذا من منطلق كوني طبيبة، كما أقول أيضاً بصوت عالي إن كل المعلومات الطبية تقول أن قطع جزء من جسد الطفل فيه خطورة شديدة. تاريخياً، فكرة الختان جاءتنا عن طريق العبودية و ليس لها علاقة بالإسلام. إنه لمن المضر قطع جزء مهم من جسد المرأة، فدول مثل السعودية و سوريا و العراق و تونس لا تعرف فكرة ختان الإناث. لقد ذُكر في التوراة أن بني إسرائيل و ذريةالنبي إبراهيم سيكون لهم الأرض الموعودة مقابل أن يختنوا الذكور. أؤكد أن الختان عادة ليس لها علاقة بالإسلام أو الطب. هل منطقي أن نقوم بقطع جزء من الطفل الذي خلقه الله سليماً؟!”
الجدير بالذكر أنها دافعت عن هذه الفكرة مراراً وتكراراً في عصر كان فيه هذا الأمر من مسلمات الدين، والغريب أنه قد تم تجريم هذه العادة من قبل الأزهر الشريف مؤخراً.
نوال السعداوي والحجاب
ترفض نوال السعداوي فكرة ارتداء المرأة المسلمة للحجاب، فهي على حسب قولها ضد اعتبار أن المرأة عورة. فالأخلاق في سلوك المرأة و عملها وليس في تغطية شعرها الذي يعد تزييفاً للأخلاق. لا بد أن ننظر للمرأة على أن لها عقل. تقول السعداوي
” الحجاب هو رمز سياسي ولا علاقة له بالإسلام. فلا توجد آية واحدة في القرآن تأمر بالحجاب صراحة. لقد تخرج والدي من جامعة الأزهر ولم ينادي بالحجاب قط. إنهم يستخدمون النساء كأداة سياسية في لعبة سياسية. كثير من الناس يدركون ذلك، لكن النظام التعليمي يضع الحجاب في الذهن. حجاب العقل أخطر.”
لقد ثارت ضجة كبيرة في وسائل الإعلام المصرية في الماضي بشأن القانون الفرنسي المقترح الذي يحظر الحجاب، أو غطاء الرأس في المدارس العامة، لكن سرعان ما أصدر شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي حينها مرسوماً يؤيد فيه موقف الحكومة الفرنسية من قانون حظر الحجاب في المدارس العامة، رغم أنه على حسب الاعتقاد أنه أحد الفروض الدينية الواجبة على المرأة. تقول السعداوي:
” في الواقع فإذا كان شيخ الأزهر جاداً فيما فعله فهو لا يعرف الإسلام، لكن الحقيقة هي أنه أدلى بتصريح سياسي. إنه يعلم جيداً أن الحجاب ليس فرضاً إلهياً، لكنه تحت سلطة قوية لذا تصريحه كان يحمل الكثير من التناقضات. فجزء مما قاله صحيح: أن فرنسا حرة في أن تفعل ما تشاء. لكن الجزء الآخر من البيان غير صحيح. هذا أمر خطير. بما أنه أعلى سلطة دينية رسمية في الدولة، فيجب على جميع النساء أن يرتدين الحجاب. لكن بما أن العديد من النساء المصريات لا يستجبن لنصيحته، بما في ذلك زوجة الرئيس مبارك، فكان عليه الاستقالة”.
آراء نوال السعداوي في الحج
كثيراً ما أثارت نوال السعداوي الجدل بشأن حديثها عن الحج، والعديد من الناس قد اقتطعوا مقتطفات من أحاديثها من أجل إدانتها بازدراء الأديان، ولعل من أشهر ما قالته عن الحج أنها طقوس جاءت قبل ظهور الأديان بل وأشارت إلى أن الحج جزءً من التاريخ. هذا بالإضافة إلى انتقادها لفكرة تقبيل الحجر الأسود ورجم الشيطان، على الرغم من أن تقبيل الحجر الأسود ورجم الشيطان لم يذكرا في القرآن من قريب أو بعيد. تقول نوال:
” ما أعارضه هو أن يستولي الزوج على مصاريف أسرته ومدخرات زوجته و يشتري تذكرة للحج و يقبل الحجر الأسود. فالعمل عبادة و إطعام الأطفال عبادة. بل أن كل طقوس الحج جاءت قبل ظهور الأديان، وهذا هو جزء من التاريخ. الحج ليس عبادة إسلامية فقط، فالإسلام جاء ليمنع تقبيل الحجر الأسود.”
المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث
في هذه المسألة اعتقد أن نوال السعداوي التي طالبت بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث لم يكن يجانبها الصواب فيها. فهي لم تعلم شيئاً عن قوانين الميراث في الإسلام التي لم تفرق بين الرجل والمرأة. فهناك العديد من الأحكام في المواريث التي تمنح المرأة أكثر من الرجل. لكن كل هذه الأمور تتوقف على عوامل كثيرة. ربما دعوتها المستمرة للمساواة بين الرجل المرأة هي التي جعلتها تتحدث في أمور لم تكن على علم كثير بها. لذا فإن آرائها في هذا الأمر ربما جاءت عن سوء فهم أو قلة علم.
آراء نوال السعداوي حول تعدد الزوجات
ترفض نوال السعداوي فكرة تعدد الزوجات التي يؤمن بها الكثير من المسلمين على إطلاقها، على الرغم من أن تعدد الزوجات في القرآن قد اقترن باليتامى، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
” وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا”
ولسنا بصدد الحديث عن فكرة تعدد الزوجات في الإسلام والتفسيرات العديدة المختلف عليها هنا. لكن سنتحدث عما قالته نوال في هذا الأمر، فهي تقول:
” إن تعدد الزوجات يخلق الكره بين الأطفال والزوجات كما يزيد من الحوادث، وأن تعدد الزوجات كذب وليس بالقرآن وبلاد عربية مثل تونس منعته.”
اقرأ أيضًا: قصة أغنوديس: الطبيبة التي تنكرت بزي رجل لممارسة الطب |
كتب نوال السعداوي
صدر لنوال السعداوي أكثر من 50 مؤلفاً تتنوع ما بين الأعمال الأدبية والسياسية والاجتماعية، وقد ترجمت أعمالها إلى أكثر من 20 لغة في العالم. تناولت أعمال نوال السعداوي العديد من الأفكار التي تربط بين النسوية وتحرر المرأة وتحرير الأوطان، بل وصل الأمر بها إلى تصوير الديكتاتور بالإله، وهذا ما أغضب الكثير واعتبروا أنها تعيب في الذات الإلهية، والأنبياء. في هذا القسم نتناول بعضاً من آراء نوال السعداوي المثيرة للجدل التي عرضتها في رواياتها.
الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة
تتحدث هذه المسرحية التي منعت في مصر حول اجتماع بين الإله وبعض أنبيائه لشعورهم بالظلم، خلقت هذه المسرحية حالة من الجدل والكثير من المشكلات. تقول نوال:
” توجهت الشرطة إلى الناشر وطلبت منه حرق الكتاب. لقد شعر نظام مبارك أن “الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة ” كان كتاباً خطيراً لأنه قد يفتح عقول الناس. لكي تكون ديكتاتوراً وتسيطر على الناس، والنظام السياسي لابد له من حجب عقولهم. أما دورنا ككتّاب، فهو الكشف عن هذه الأمور. لذا أحرقوا الكتاب.
الإله يموت على النيل
تقول نوال السعداوي عن روايتها الإله يموت على النيل:
هي قصة من قريتي عن رئيس بلدية، وكيف أن العمدة والرجال من حوله، الأشخاص الذين ساعدوه في حكم القرية، استخدموا فكرة الله لقمع القرويين. لذلك كلما حدثت كارثة، يخبر رئيس البلدية ورجاله القرويين أن هذا هو قدر الله. زكية، المرأة التي تقتل رئيس البلدية، كانت تؤمن دائماً أن الله هو الذي أرسل ابنها للحرب، والله هو الذي قتل أطفالها بالفقر والمرض. كان الله هو الذي اغتصب ابنتها. لأنه مع كل كارثة، يخبرها رئيس البلدية ورجاله أنه كان الله. لكن فجأة، في نهاية الرواية، تتراكم فجأة بعض المعلومات التي جاءت إلى زكية قطرة تلو الأخرى واستيقظت، مدركة أنه ليس الله، بل رئيس البلدية هو المسؤول. فقتله. وعندما دخلت السجن سألتها إحدى الفقيرات: أين الله؟ نحن فقراء.” فأجابت: “يا إلهي؟ قتله. مات على النيل “. كانت تلك هي القصة.
من الواضح أنها هنا أيضاً تستخدم فكرة الإله للتعبير عن النظم الديكتاتورية الحاكمة في القرية. لكن نظراً لأننا في العالم العربي والإسلامي لم نعتد على مثل هذه الرمزيات فقد أثارت الجدال بل وصل الأمر إلى تكفيرها.
اقرأ أيضًا: الليدي جوديفا: هل ركبت على ظهر الخيل عارية لتساعد الفقراء؟ |
فلسفة نوال السعداوي
تناولت فلسفة نوال السعداوي العديد من الأفكار الرائعة التي تشتمل على العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها. ولعل من أشهرها:
المفاهيم والتعبيرات
تطلب منا نوال في كتاباتها إعادة النظر في الكلمات والمفاهيم والتعبيرات مثل “الديمقراطية” و “تنظيم الأسرة” و “العولمة” و “ما بعد الحداثة” و “التعليم” و “حقوق الإنسان” و “الذات“. كل تلك المفاهيم بالنسبة لها ما هي إلا شكل من أشكال الاستعمار الحديثة. فمن أقوال نوال السعداوي:
” أعتقد أن مفهوم العدالة والحرية والحب أصبح معقداً وغامضاً للغاية، لأننا نعيش في مجتمع منافق يحاول تحريف اللغة، واللغة لها معنى مزدوج في هذا المجتمع. فالسلام يعني الحرب، والديمقراطية تعني القهر. لذا يجب أن تكون اللغة واضحة حتى نفهم بعضنا البعض. لا احتكار، لا ألعاب سياسية، لا ألعاب لغوية، لأنني سئمت حقاً من الألعاب اللغوية لما يسمى عصر “ما بعد الحداثة”. فهذا الاسم جزء من الألعاب اللغوية … نجد أنفسنا ضائعين في سيل من الكلمات التي تبدو شديدة الاختلاف، والتي تتكاثر وتتكاثر إلى ما لا نهاية…. نحن نغرق في هذه الكلمات. نحن مختنقون بهم. إنها لعبة الكلمات ذات المجموع الصفري التي تفقد فيها قدرتك على الفهم.
آراء نوال السعداوي بشأن المنافسة
تشير نوال السعداوي إلى أننا في حاجة إلى الاعتماد بشكل كبير على تجربتنا الخاصة في التفاعل مع تجربة الآخرين. لذا يجب أن تكون الكتب مجرد أمراً ثانوياً. تقول نوال “نحتاج إلى استخدام حواسنا وصورنا ومشاعرنا وموسيقانا – يجب أن نتعلم من الموسيقى والرقص. علينا أيضاً أن نستخدم أجسادنا”.
إنها لا تفكر في تنظيم أحداث ومناسبات اجتماعية تدعو للمنافسة بين الناس، فهي ممارسة تكرهها. لقد وصفت مثل هذه المواقف بأنها نوعاً من الجنون، فالمنافسة ما هي إلا شكل بديل للحرب، من المنافسة على نتيجة الامتحان إلى ملاعب كرة القدم، ومن الاختبارات للأطفال في سن الخامسة، إلى السعي لكسب المال. كل هذه الأمور تحمل رمزية اجتماعية وتاريخية. فمن أقوال نوال السعداوي:
“إنها حاجة مصطنعة تم إنشاؤها بواسطة النظام الأبوي الطبقي، نظام العبيد. لإقناعنا أن الحرب أمر لا مفر منه. وإنه شيء طبيعي فطري. لا، أعتقد أن الحرب أمر غير طبيعي ويمكن للناس أن يعيشوا بدون حرب وبدون هذه المنافسة. لذلك، كل هذه الاحتياجات يتم إنشاؤها بشكل مصطنع من قِبل النظام.”
توضح نوال هذه الفكرة باستضافة عندما تذكر أن أسلوب اللعب أهم من عدد الأهداف المسجلة. لذا يجب تعزيز العمل الجماعي وجو الصداقة. وهذا يتطلب تغيير مفهومنا للنجاح، ومفهومنا للعلاقة الفردية والجماعية. ولا يمكن أن يحدث هذا إلا في مجتمع يرى تحقيق العدالة والمساواة كمعايير أساسية لتحقيق النجاح.
اقرأ أيضًا: كيف شكّل الفقر قصة حياة كوكو شانيل؟ |
كلمة النهاية
هذه النبذة القصيرة ستمنحك فقط لمحة عن تفكير نوال السعداوي وآمل أن تثير اهتمامك بما يكفي لإلقاء نظرة أطول على عملها. لقد تم تشويه سمعتها مرات عديدة، لكن هذا لا يمنع أنها قد تناولت أموراً وآراء معينة ضد الأديان بصورة عامة مما أغضب البعض ونعتها بالكفر والإلحاد. إلا أنها مع كل آراءها فهي لم تكن تحارب البشر بل كانت تعمل بمقتضى حمايتهم ومحاولة إضاءة الطريق أمامهم كي يغيروا من أنفسهم حتى وإن كان لها بعض الشطحات السياسية والدينية. فمن أقوال نوال السعداوي:
“يمكن للناس أن يتغيروا، فالناس يخطئون، وأحياناً يكونون أشراراً، ويفعلون أشياء شريرة. لكن أنا أؤمن بالطبيعة الحميدة للبشر. فلا أعتقد أن الناس قد فطروا على هذه الطبيعة الخبيثة غير الإلهية. بل أعتقد أننا ولدنا في طبيعة جيدة حميدة للغاية، طبيعة بشرية، لكننا نفقد إنسانيتنا بسبب الأنظمة السياسية.”
سأنهي هذه المقالة بترديد صدى التفاني الذي أبدته الناشطة النسوية نوال السعداوي في أفكارها … “إلى النساء والرجال الذين يختارون دفع الثمن ويتحررون من الاستمرار في دفع ثمن العبودية. ما زلنا نعيش في غابة، لكني أريد أن أعيش في عالم بشري. العالم الذي نعيشه غير إنساني للغاية. هذا ليس عالم بشري. أحلم بعالم يسوده السلام.”
في النهاية لابد أن نعلم جيداً أن الحكم على البشر بيد الله الواحد القهار فهو الذي يعلم السر وأخفى. ولنحاول جاهدين مجابهة الفكر بالفكر لا بالتشفي واللعن والسباب.
المراجع:
كتب نوال السعداوي:
- كتاب المرأة والجنس (1972) لنوال السعداوي.
- الوجه العاري للمرأة العربية (1980) السعداوي.
- الإله يموت على النيل (1985).
- الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة (2006).
الحوارات الصحفية مع نوال السعداوي: